07 / 09 / 2014

( أُهنئكم بعيد الاسلام والمسلمين)

الدكتور : علي شفيق

هذا يوم يوفى الصابرون أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون , ويكرم الرحمن عباده بالفضلِ العظيم ,على ما كانوا يصنعون , ويباهي بكم أيَّها الصائمون ملائكة السماء , وانتم في الصلاة خاشعون , وعن اللغو معرضون , ولزكاة الفطر فاعلون , ومن الصيام خارجون , وتمتثلونقولهِ: ((وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) البقرة: ١٨٥

الله اكبر ما أعظم فرحة الصائمين حين يَفطرون , وحينَ يخاف الناس وهم آمنون , لا يحزنهم الفزع الأكبر وهم فيما اشتهت أنفُسهم خالدون ,هنيئاً لكم أيَّها الصائمون في هذا اليوم العظيم , على ما قدمتموه من الصيام والقيام وقراءة القران , وهنيئاً لكم يوم تجدون جائزتكم عند ربكم ,((هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ)) الرحمن: ٦٠

أخي الصائم , إن الله جلَّ وعلا ما شرع عيد الفطر إلا ليفرح الصائمون , بإكمالهم في هذا الشهر الكريم,وانتهاء هذا الشهر يذكرنا بانتهاء الآجال وانقضائها , وان الله جل وعلا ما جعل الخلود لهذا الإنسان على وجه الأرض , ولو خلد أحد على وجه الأرض , لخلد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .انتهى رمضان أيها الصائمون , فهنيئاً لِمن حافظ على حدوده والتزام بأوامره واجتنب نواهييه , فوداعاً يا شهر رمضان وداعاً يا شهر القران , وداعاً يا شهر الرحمن , وداعاً يا شهر الطاعة والغفران وداعاً يا شهر الإخوة والمعونةِ والإحسان وداعاً يا شهر التراويح وداعاً يا شهر المصابيح , وداعاً يا شهراً أولهُ رحمة و أوسطهُ مغفرة وأخرهُ عتقٌ من النار,وتوديع هذا الشهر الفضيل , يُذكرنا بكثير من إخواننا من الأئمة والخطباء والمؤذنين والخدم , وحتى الحراس طالتهم اليد المجرمة , كُل هؤلاء قدموا أنفسهم من اجل هذا الدين ومن أجل لا اله إلا الله محمد رسول الله , عليها نحيا وعليها نموت وبَها نلقى الله , اقبل العيد أيَّها الصائمون ,

العيد أقبل يا أُخي فلا تكن بهِ فرحاً فما هُوَ عيدُ

ما العيد إلا أن نعودَ لديننا حتى يعودَ لواؤه المفقودُ

ما العيدُ إلا أن نرى بغدادنا فوق الأنامِ لواؤها معقودُ

ما العيدُ إلا أن يكون نبَيُنا بين الأنام لاسواه عميد

ليس العيد لمن لَبس الجديد , إنما العيد لمن طاعتهُ تزيد , وليس العيد لمن طغى وتكبر, وسَعى في الأرض ليفجر , كم كنا نتمنى إن يأتي العيد , وقد رَفرَفت الأعلام البيضاء فوق بغداد , كيف نفرح ووطننا مسلوب الإرادة , ان الإرهاب سَلب منا فرحةَ العيد, ولكن عاجلاً او أجلاً سيأتي العيد ومعُ الفَرح عند ذلك هل سيأتي من دون تضحيات هل سيأتي من دون إراقةِ دماء (وللقتلى لأجيال حياة, وللأسرى فِدىً لَهُموا وعتقٌ, وللحرية الحمراء بابٌ بكلِ يَدٍ مُضرجةٍ تُدقُ)

أُوصيكم إخوتي بتقوى الله وطاعتهِ وخشيتهِ وطاعة رسولهِ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال تعالى: ((وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ)) النور: ٥٢

ان الله جلَّ وعلا لم يرُسل أنبياءهُ إلا بالأخلاق, وإتمام الأخلاق بعد توحيد الله وعبادته

قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ( إنما بعثتُ لأتمم صالح الأخلاق) اخرجهُ الإمام احمد

 

الأخلاق الفاضلة يضعف أمامها العدو, وينهار بها أهل الشهوات , حينما يكون المجتمع صارماً في نظام أخلاقهِ وضوابط سلوكهِ, غيوراً على كرامة فَردهِ وأمتهِ مؤثراً رضا الله على نوازع شهواتهِ حينئذِ يستقيم مساره في طريق الحق والصلاح والرفعة والإصلاح , والأخلاق ليست شيئاً يكتسب بالقراءة والكتابة , ولا بالموعظة والخطابة , ولكنها درجة بل درجات لاتنال بعد توفيق الله ورحمتهِ الا بالتربية والتهذيب والصرامة والحزم وقوة الإرادة والعزم, أنها الغَيرة , الغيرة على الأعراض وحماية حمى الحُرمات , أيَّها الغيورون , كل امرئٍ عاقل , بل كل شهم فاضل , لا يرضى إلا ان يكون عِرضُهُ محل الثناء والتمجيد , يسعى ثم يسعى ليبقى عِرضهُ حَرماً مصوناً لايرتع فيهِ اللامزون ولايجوس حماه العابثون, ان كريم العِرض ليبذل الغالي والنفيس للدفاع عن شرفهِ,نعم انه ليصون العرض بالمال, فلا بارك الله بمال لا يصون عرضاً, بل لا يقف الحد عند هذا فأن صاحب الغيرة ليخاطر بحياتهِ ويبذل مهجتهِ, ويعرض نفسه لسهام المنايا عندما يرجم بشتيمة تلوث كرامتهِ , وقد بلغ دينكم في ذلك الغاية حين أعلن نبيكم محمد صلى الله عليهِ وعلى آله وصحبه وسلم : (من قُتل دونَ اهلهِ فَهوَ شهيد) أخرجهُ البخاري

يقول ابن القيم رحمهُ الله , إذا رحلت الغيرة من القلب ترحلّت المحبة بل ترحل الدين كله, ولقد كان أصحاب رسول الله من اشد الناس غيرة على أعراضهم , روي عن رسول الله صلى الله عليهِ وعلى آله وصحبه وسلم انه قال يوماً لاصحابهِ: (إن دخل أحدكم على أهلهِ ووجد ما يُريبهُ أشهد أربعا ؟ فقال سعد بن معاذ:لا والذي بعثك بالحق , إن رأيت ما يريبني من أهلي لأضربنّ بالسيف غير مصفح, فقال عليه الصلاة والسلام , أ تعجبون من غيرة سعد ؟ والله لانا أغير منه , والله أغير مني ,ومن أجل غيرة الله حرّم الفواحش ماظهر منها ومابطن ) أخرجه بنحوه البخاري.

إن الأسفِ كل الأسف, فيما جلبته مدينة هذا العصر من ذبح صارخ للأعراض , ووأد كريه للغيرة, ولقد انقلبت الحال عند كثير من الناس , حتى صارالساقطون الماجنون يمثلون الأسوة والقدوة ووسام افتخار وعنوان رجولة, هل غارت من النفوس الغَيرة ؟؟وهل غاص ماؤها ؟ وهل انطفأ بهاؤها ؟, حسبنا الله من أناسٌ يأنسون للمنكر, ويودونَ لو نبت الجيل كُلهُ في حمأة الرذيلة , وحسبنا الله من فئات تود لو انهال التراب على الفطرة المستقيمة والحشمة الرفيعة , إن طريق السلامة لمن يريد السلامة بعد الإيمان بالله ورحمتهِ وعصمتهِ ينبع من البيت والبيئة , فهناك بيئات تنبت الذل
, وأخرى تنبت العز , وهنالك بيوت تظلها العفة والحشمة , وبيوت ملؤها الفحشاء والمنكر , لا تحفظ المروءة ولا يسلم العِرض الا حين يعيش الفتى وتعيش الفتاة في بيت محتشم, محفوظ بتعاليم الإسلام وآداب القران , ملتزم بالستر والحياء , تختفي فيه المثيرات وآلات اللهو والمنكر , يتطهر من الاختلاط المحرم ، وانظروا كيف تتعاون الأفلام الساقطة والأفلام الهابطة لتمزق حجاب الغفلة هذا , ثم تتسابق وتتنافس في الدعوة إلى المعاصي , وفضح الأسرار وهتك الأبواب , وفتح عيون الصغار قبل الكبار , الاساء مايزرون قال تعالى: ((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) آل عمران: ١٠٤

وعن ام المؤمنين زينب بنت جحش( رضي الله عنها) أنّ النّبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم دخل عليها فزعاً يقول ُ( لا اله إلا الله , ويل للعرب من شّر قد اقترب , فتح اليوم من ردم يأجوج و ماجوج مِثلُ هذهِ) وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها , فقلت يا رسول الله : ( أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال نعم اذا كثر الخبث ) . متفق عليه

كم للفضيلة من حصن امتنع به إلي النخوة فكانوا بذلك محسنين , وكم للرذيلة من صرعى أوردتهم المهالك فكانوا هم الخاسرين , في ظلال الفضيلة منعة وأمان , وفي مهاوي الرذيلة ذلة وهوان , والرجل هو صاحب القوامة في الأسرة وإذا ضعف القوام فَسد الأقّوام , وإذا فسد الأقوام خسروا الفضيلة , جاء شاب الى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقال يا رسول الله ائذن لي في الزنا , فأقبل عليه الناس يزجرونه , وأدنى رسول الله مجلسة ثم قال له أتحبه لأمك ؟ قال لا والله جعلني الله فداك , قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ولا الناس يحبونه لأمهاتهم , قال أتحبه لابنتك ؟ قال لا , قال ولا الناس يحبونه لبناتهم , ولم يزل النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول للفتى أتحبه لأختك ؟ أتحبه لعمتك ؟ أتحبه لخالتك ؟ كل ذلك والفتى يقول لا والله جعلني الله فداك , فوضع النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يده عليه وقال , اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه , فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شي ) أخرجه الإمام احمد ألا فاتقوا الله رحمكم الله وغاروا على حرمات الله , يسلم لكم دينكم وعرضكم , ويبارك لكم في أهلكم وذراريكم , تقبل الله صيامكم وقيامكم وكل عام وانتم بخير , قوموا فتصافحوا وتسامحوا وتراحموا , فمن لا يَرحم لا يُرحم .


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه