23 / 02 / 2015

إفتحوا نوافذكم

رأي حول الحق في الاختلاف
د. احمد عبد مرزوك

ان قتل الكفاءات، وكبت الطاقات، وهجرة العقول، والاعتماد على الفكر احادي الاتجاه من أخطر الأمراض الاجتماعية التي ابتلي بها واقع معظم المجتمعات العربية والاسلامية منذ حقبةٍ ليست بالقصيرة وحتى يومنا الحاضر . وقد كان قسر الناس على رأي واحد نوع من الاستبداد و كان له الأثر السلبي العميق الذي لا نزال نعاني من آثاره إلى اليوم ، خصوصا وان معظم تلك الافكار والعقائد هي افكار وعقائد وضعية انتجتها صراعات مادية واجتماعية بعيدة عن شرع الله أو هي نتيجة هذا الابتعاد.


وعلينا ان نعترف بإننا لا يمكن أن نلغي الاختلاف بين البشر مهما كانت الجهود كما يقول القرآن ((وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ )) (هود: 119) لأن الاختلاف امتحان الهي ينبغي تجاوزه بعيداً عن السلبيات التي يمكن أن تنتج في أثناء الممارسة وهنا لابد ان نكيف انفسنا على قبول الاختلاف أي اقلمة النفس وتكيّفها مع هذا المفروض المتأصل ليس فقط في الفكر والرأي بل في كل وجودنا. وعن طريق هذا التكيّف يمكن أن نحقق التعايش الإيجابي، مما يعني قبول الآخر واعتباره عامل اثراء ويمكن الاستفادة منه في خلق حالة من التنافس الإيجابي بين أبناء المجتمع لتقديم كل ما هو افضل من فكر ورأي لتطوير العمل، والفكر، والدعوة إلى الله بالتي هي احسن. والدفع نحو الأفضل.
ان عدم إسقاط الآخر اجتماعياً وهذا ما يجب ان يضمنه كل منا للآخر بحيث لا يتعدى عليه اجتماعياً يُمَكِّنُ من تطوير المجتمع.
مع التأكيد على أن المجتمعات الأخرى تضمن هذا الحق في أعلى مراتبه لأن الرأي الآخر لا يعني بالضرورة التصارع والفرقة إنما يولد التنافس وتقديم الخدمات فكلما كثرت الآراء وتلاقحت مع بعضها تولد الصواب، لأن الصواب إنما يتولد بضرب الرأي بالرأي، ومن أجل ذلك كله ينبغي احترام الرأي الآخر.
والحال أن بعض واقعنا لا يكتفي بعدم قبول الآخر إنما يتجاوز ذلك إلى إلقاء الاسقاطات النفسية والاجتماعية على كاهل الآخر.
ومما يؤسف له أن نعيش حالة من اللا تديّن في الاختلاف بحيث ينشغل بعضنا بإسقاط الآخر ومحاولة إقصائه عن ساحة العمل وربما عن الحياة.
وسوف لن اتي بجديد اذا ما قلت ان حق إبداء الرأي مكفول في الإسلام للجميع ما دام في إطاره الإيجابي فكما يحق لطرف إبداء رأيه بكل فسحة دون أن نفرض عليه قيود الحجر فكذلك يحق للآخر، وحتى لا نعيش الازدواجية والمزاجية بحيث يحق لي ما لا يحق لغيري، ولا يحق لغيري ما يحق لي لابد من افساح المجال للآخر في إبداء رأيه ، حيث تكثر المدارس الفلسفية، والأصولية، والمذهبية، بل وفي ضمن الرأي الواحد نجد الكثير من الآراء هذا كله يضمن حرية ابداء الرأي للجميع ما دام الهدف هو الإثراء لا الإقصاء.
وليعلم أولئك الذين يعيشون الصنمية والشخصانية الفكرية واحتكار الحقيقة لانفسهم ويتشدقون بشعارات هم أبعد الناس عن العمل بها إنما هم معول هدم ولا يزيدون الخرق إلا اتساعاً، وانهم بذلك يعملون على تمزيق وحدة الصف ونشر الفرقة والخلاف في المجتمع بل احيانا حتى بين افراد العائلة الواحدة مع العلم ان الكثير من هؤلاء سوف يجدون أنفسهم بعد حين يقفون لوحدهم في ساحات لايسمعهم فيها أحد. الحقيقة هي الغاية التي ينبغي أن تكون المنشود الذي يبحث عنه الإنسان فهي ضالة المؤمن يأخذها متى وجدها.
وهذا يعني ان علينا التجرد التام عن كل ما من شأنه أن يعيق حركة الإنسان في بحثه ومن أهم ذلك (الأنا الجهوية) لأنها سبب كل النتائج السلبية التي يعيشها واقعنا المعاصر والحقيقة كل الحقيقة لا يمكن أن يدعي احدنا أو يجزم بظرس قاطع أنها ملك له وحده أو لجهته وحدها. والعصمة من الخطأ ليست من الأمور الكلية في الدائرة الكبرى بحيث تصدق على جميع الناس.
ومن الإنصاف أيضاً التعرف على الرأي الآخر وشرحه كما لو كان هذا الرأي هو رأي الجهة التي أقدس فكرها ورأيها كما هو حال بعض أهل الفكر .
ومن الموضوعية أن ينقد الإنسان ذاته وان ينفتح على همومها ومشاكلها وهو أمر يدخل في محاسبة النفس بمفهومه العام قبل نقد الآخر ومحاسبته.

 


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه