ايات من القرأن الكريم

قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ

الآية رقم 47

من سورة الأنعام

25 / 08 / 2016

الايمان

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ارجو ان تساعدوني عندي وسواس قهري اول وسواس لي هو الكفر واستطعت التخلص منه وبعد يضع اشهر اتاني وسواس اشد منه وادخلني في دائرة الجنون وبحثت عنه لكن لم اجد له جوابا واتردد في طرح هذا السؤال خوفا من ان يقولو انت كافر وسؤالي هو:-

كيف يكون الانسان مؤمن بالله سبحانه وتعتالى هل عليه ان يكون ملازما للذكر 24 ساعة حتى يكون مؤمن او هل الله يريدنا ان نذكره 24 ساعة لان الله تعالى امرنا ان نذكره ونحمده كثيرا والذي يعرض عن الذكر سيعيش في ضنك هل عليه ان اتلفظ بالشهادتين بشكل مستمر يعني مثلا لو لعبت او نمت او قرأة بالتأكيد ساغفل عن الشهادتين وانسى انني قلتها فهل ساكون كافرا

واصبحت ارى الناس كفار او منافقين لانهم يصلون وبعد خروجهم من الصلاة ينشغلون بحياتهم وبلعبهم ومزاحهم فهل هم منافقين لان المنافقين قليلي الذكر

 

الجواب:

الوسواس القهري مرض نفسي، وكل مرض جسدي أو نفسي يصيب العبد هو ابتلاء من الله لذلك العبد، وهذا ليس عيبًا.. وكما لا شماتة في الموت كذلك المرض.

وفي الابتلاء على العبد أن يدرك ثلاثة أمور:

–        عليه الصبرُ على الابتلاء؛ ومقام الصبر هو مقام الجزاء بغير حساب لقوله تعالى }إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ{ الزمر10 أي يُعطَى الصابرون ثوابهم في الآخرة بغير حدّ ولا عدّ ولا مقدار، وهذا تعظيم لجزاء الصابرين وثوابهم. وقد قال رسول اللَّهِ r في وصف حال المؤمن )عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إلا لِلْمُؤْمِنِ، إن أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا له وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا له(([1]) فالعبد في كل حياته متقلب ما بين نعمة السراء وبلاء الضراء، والنعمة والبلاء من قضاء الله وقدره، وكل قضاء الله وقدره خير فهو الذي بيده الخير، وحق النعمة أن تشكر وشكرها أن لا تستعمل إلا في الطاعة ولا يستعان بها على معصية.

وحق الابتلاء الصبر؛ وهو حبس النفس عن الشكوى لغير الله، وذاك مقام رفيع.. فالبلاء لا يعني العقوبة دائمًا بل لرفع الدرجة بالصبر عليه كما في  قول رَسُولَ اللَّهِ r )إِنَّ الْعَبْدَ إذا سَبَقَتْ له من اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لم يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ الله في جَسَدِهِ أو في مَالِهِ أو في وَلَدِهِ ثُمَّ صَبَّرَهُ على ذلك حتى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ التي سَبَقَتْ له من اللَّهِ تَعَالَى(([2]).

–        وعليه أن يعيَ أنَّ الابتلاء لا يعني أن الله U يعاقب عبده بل قد يكون الضد، فهذا الوسواس من كيد الشيطان ويحصل عندما يبلغ العبد درجة من الإيمان تسد على هذا الرجيم منافذ الشر الأخرى فيفتح عليه باب الوسوسة ليشغله بها كما جَاءَ في الخبر عن نَاسٍ من الصْحَابة y أنهم قَالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ نَجِدُ في أَنْفُسِنَا الشَّيْءَ يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قال )أو قد وَجَدْتُمُوهُ؟ قالوا: نعم. قال: ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ(([3]).

وقولهم “يتعاظم أحدنا أن يتكلم به” يشبه ما تشكو منه السائلة، وهو يعني أنها قد بلغت درجة في الإيمان، وصريح الإيمان هو درجة الخشية وتعظيم البوح بهذه الخواطر والخوف منها، وإلا فربما غيرها لا يبالي بها.

وفي حديث آخر: جاء رَجُلٌ إلى النبي r فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَحَدَنَا يَجِدُ في نَفْسِهِ لَأَنْ يَكُونَ حُمَمَةً أَحَبُّ إليه من أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ؛ فقال )الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي رَدَّ كَيْدَهُ إلى الْوَسْوَسَةِ(([4]) والحممة هي الفحمة المحترقة والمعنى أن التصريح بما يجد أصعب عليه من أن يشتعل كما تشتعل الفحمة فيبشره النبي r بأنها وسوسة وهي من أضعف كيد الشيطان.

ومعنى الحديثين أن قوة الإيمان تُضعف من إلقاءات الشيطان فتردها إلى الوسوسة التي هي من الكيد الضعيف والتي لا تضر العبد شيئًا؛ وإنما تزعجه ومع استمرار المسير الإيماني تذهب بإذن الله.

–        ثم عليه الأخذ بأسباب العلاج: وأول العلاج كثرة الاستعاذة بالله من الشيطان لقوله تعالى }وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{ الأعراف 200 ونزغ الشيطان عبارة عن وساوسه ونخسه في القلب بما يسول للإنسان من المعاصي.

ومعنى الاستعاذة بالله عند هذه الحالة أن يتذكر المرء عظيم نعم الله عليه وشديد عقابه وأنه يلتجئ من هذه الوساوس إلى حصن حصين وقوة عظيمة فيدعوه ذلك إلى الإعراض عن النزغ والإقبال على أمر الشرع.

والاستعاذة بالله على هذا المعنى لطف مانع من تأثير وساوس الشيطان، وقوله }إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{ يدل على أن الاستعاذة يجب أن تكون باللسان يسمعها السميع مع موافقة في القلب يعلمها العليم فكأنه تعالى قال اذكر لفظ الاستعاذة بلسانك فإني سميع واستحضر معاني الاستعاذة بعقلك وقلبك فإني عليم بما في ضميرك.

ثم بعد الاستعاذة تأتي المداومة على ذكر الله وتذكر هيبته وجلاله كما قال تعالى }إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ{ الاعراف201 فانفع علاج في دفع الوسوسة الإقبال على ذكر الله تعالى والإكثار منه، فالشيطان جاثم على قلب العبد يترقب لحظة الغفلة ليوسوس فيها، فإذا ذكر العبدُ اللهَ خنس، فهو وسواس خناس باستمرار.

وأما ما جاء في السؤال عن حديث النفس فمن كرم الله أنه لا يؤاخِذ عليه عباده؛ فقد ورد عن النبي r )إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي ما حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا ما لم يَتَكَلَّمُوا أو يَعْمَلُوا بِهِ(([5]) فحديث النفس كل ما يهجم من الخطرات والوساوس ويتعذر دفعه؛ وهذا يعفى عنه ولا يؤاخَذُ عليه العبدُ.. فلا تسمحي لنفسك بالاسترسال مع الوسوسة وأمسكي ما استطعتِ، فأنتِ غير مؤاخذة على خطرات مجردة.

وبعدها إذا استمرت الحال فلا بأس بمراجعة طبيب مختص، فإن بعض الحالات كما يذكر المختصون سببها خلل في كهربائية الدماغ وهناك علاجات في ظرف ستة أسابيع أو أكثر تظهر آثارها الإيجابية بعد ذلك بإذن الله.

 

([1]) رواه مسلم 4/2295، بَاب الْمُؤْمِنُ أَمْرُهُ كُلُّهُ خَيْرٌ، حديث رقم 2999.

([2]) رواه أبو داود 3/183، حديث رقم 3090  .

([3]) رواه مسلم 1/119بَاب بَيَانِ الْوَسْوَسَةِ في الْإِيمَانِ حديث رقم 132 وأبو داود 4/329، بَاب في رَدِّ الْوَسْوَسَةِ، حديث رقم 5111

([4]) أخرجه أبو داود 4/329، بَاب في رَدِّ الْوَسْوَسَةِ، حديث رقم 5112 أحمد، المسند 1/235، حديث رقم 2097.

([5]) رواه مسلم 1/116، بَاب تَجَاوُزِ اللَّهِ عن حديث النَّفْسِ وَالْخَوَاطِرِ بِالْقَلْبِ، حديث رقم 127

 

الشيخ الدكتور عبد الستار عبد الجبار

عضو الهيئة العليا للمجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء للدعوة والافتاء

نائب رئيس مجلس علماء العراق


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه