03 / 07 / 2014

التواضع من سمات الإسلام

د. محمد الحمد

خلق الله – تعالى- الانسان وكرمه وفضله على كثير من مخلوقاته. وعرفه طريق الهدى والضلال. وأوضح له أحسن السبل وأنفعها له. وجمله بالفضائل كلها ليكون مثلا يحتذى به. ونبراسا يستضاء بنوره وان الحياة هي فرصة لانتهاز العمل الصالح الذي ترضى به النفس ويجازي عليه الله – تعالى- وانها فرصة لتهذيب النفس وتوجيهها للخير والعمل النافع لها ولغيرها. ومحاسبتها على الصغيرة والكبيرة. كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أبو بكر الصديق –رضي الله عنه- كان يقول: (( لو كانت احدى رجلي في الجنة والاخرى خارجها ما امنت مكر الله)). مع انه من المبشرين بالجنة.

لقد كان – رضوان الله عليه- من أزهد الناس وأكثرهم تواضعا في أخلاقه، ولباسه، وطعامه وكان لبسه في خلافته الشملة، والعباءه وكان القدوة في ترك الزينة وسفاسف الأمور.

قدم عليه زعماء العرب وأشرافها، وملوك اليمن، وعليهم الحلل، والبرد، والمثقلة بالذهب، والتيجان فلما شاهدوا ما عليه خليفة المسلمين من لباس شاهدوا ما عليه من الزهد والتواضع في الملبس والمأكل والمشرب من الوقار والهيبة ذهبوا مذهبه وخلعوا ما عليهم من برود.

وكان ممن وفد على أبي بكر الصديق-رضي الله عنه – من ملوك اليمن (ذو الكلاع) ملك حمير وعليه التاج، والبرود، والحلل فلما شاهد أبا بكر الصديق وما فيه من الزهد أراد ان يجعله قدوة له فالقى ما كان عليه وتزيا بزيِّ أبي بكر حتى انه رؤي يوما في سوق من اسواق المدينة وكان على كتفه جلد شاه ففزعت عشيرته لذلك وقالوا: لقد فضحتنا بين الانصار، والمهاجرين، والعرب فقال لهم: افأردتم مني أن أكون ملكاً جباراً في الجاهلية جباراً في الاسلام.

لاوالله لا تكون طاعة الرب الا بالتواضع والزهد في هذه الدنيا لقد تواضعت الملوك وتواضع القادة ومن ورد على ابي بكر الصديق من الوفود بعد تكبر وعظمة درجوا عليها وتذللوا بعد التجبر فكان –رضي الله عنه- قدوة لرعاياه.

هذه النماذج من الصحابة الاجلاء هي التي رفعت رأس الإسلام والمسلمين عاليا بين الأنام وسجل لها التاريخ صفحات من نور انظر الى هؤلاء الاعلام وكيف كانوا لا يبالون بالمناصب وكانوا يداً واحدة على عدوهم لما نحى أميرُ المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- خالدَ بن الوليد عن قيادة الجيش لرأي رآه ! وأسند القيادة الى أبي عبيدة عامر بن الجراح أبى خالد إلاّ ان يكون جندياً عادياً في صفوف جنود المسلمين وسار مع أبي عبيدة يعمل تحت لوائِهِ وفي مقدمة جيشه

وهذا المثنى بن حارثة الشيباني كان يتولى قيادة الجيش في العراق فلما ولي القيادة لأبي عبيد بن مسعود بقي المثنى جندياً يعمل تحت امرةِ أبي عبيد ان دل هذا على شيء فإنه يدل على ان هؤلاء الصحابة لم يكونوا يفكرون في هذه الصغائر انما كانوا يقصدون بجهادهم وجه الله – تعالى- في أيِّ مكانٍ من صفوف المسلمين وضعوا؛ لأنَّ هدفهم الأسمى كان فوق كل اعتبار وهذه هي التربية الحقة التي تربوا عليها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ثم جاء من بعدهم التابعون ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين كان عمر بن عبد العزيز – رحمه الله- الأمين على رعيته وأمته المحب لابناء دينه وانسانيته الخائف من ربه وعقابه دخلت عليه زوجته فاطمة بنت عبد الملك فوجدته جالساً في مصلاه واضعاً خده على يديه، ودموعه تسيل على خده فقالت له: ما بالك. فقال لها: ويحك يا فاطمة قد وليت من أمر هذه الامة ما وليت ففكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والمظلوم المقهور، والغريب الأسير، والشيخ الكبير، وذي العيال الكثير والمال القليل واشباههم في اقطار الارض واطراف البلاد فعلمت ان ربي – عز وجل- سيسألني عنهم يوم القيامة وان خصمي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فخشيت ان لايثبت لي حجة عند خصومته فرحمت نفسي فبكيت.

حقيق على كل مسلم ان يفخر بهؤلاء الصفوة هؤلاء القدوة الذين تربوا على هذا الدين تربوا على الكتاب والسنة فبهما العزة وبهما الفوزوالنجاة هؤلاء نفرح عندما نذكرهم؛ لانهم خيرة الله من خلقه انها قرون العزة والقدوة والاسوة ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بعز قال عليه الصلاة والسلام(خير القرون قرني ثم الذي يليه ثم الذي يليه).

هؤلاء السلف ما كان همهم المنصب ولا كان همهم المركب ولا كان همهم الملبس بل كان همهم الدين فهذا الامام احمد بن حنبل امام اهل السنة والجماعة في ايام محنته محنه خلق القرآن فعندما ادخل على الخليفة العباسي وقد ضرب عنق رجلين بحضرته جعل ينظر في وجوه القوم فرأى بعض اصحاب الامام الشافعي فأخذ يسأله اي شيء تحفظ عن الشافعي في المسح على الخفين وقد قال خصمه احمد بن ابي داود عندئذ انظروا رجلا هو ذا يقدم ليضرب عنقه فيناظر في الفقه.

وكان الامام احمد بن حنبل –رحمه الله- ينفر من الثناء والمحمدة ويتمنى انه لم يعرف بين الناس ولقد كان يقول: لو وجدت السبيل لخرجت حتى لايكون لي ذكر اريد ان يكون في بعض شعاب مكة حتى لا اعرف قد بليت بالشهرة اني لاتمنى الموت صباح مساء.

اولئك جيل قل مثيلهم ولا يشبههم احد فواجبٌ على هذه الاجيال ان تسير على خطاهم وتقتفي اثارهم وتقرأ سيرتهم ليخرج لنا جيل يكون مستعداً لقيادة الأمة والسير بها الى طريق الصلاح لنصرة هذا الدين.


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه