الحوادث التاريخية التي نزلت بها بسم الله الرحمن الرحيم...

د. يونس حسن حمد

نزلت بسم الله الرحمن الرحيم مفتتحة سورة الحمد في مكة عظم الله تعالى قدرها ببيتها ونزلت في آية في سورة النمل : ((إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) (سورة النمل الآية : 30) الا ان هذه الآية الكريمة نزلت قبل ذلك التاريخ . وهذا ما يتناوله موضوعنا بشيء من الايجاز.

عن عكرمة – رحمة الله عليه – انه قال : أول ما خلق الله اللوح والقلم ، أمر القلم فجرى على اللوح بما هو كائن الى يوم القيامة ، فأول ما كتب على اللوح : بسم الله الرحمن الرحيم ، فجعل الله – تعالى – هذه الآية الكريمة أماناً لخلقه ماداموا على قراءتها ، وهي قراءة أهل سبع سموات ، وأهل الصفح الاعلى وأهل سرادقات والمجد والكروبيين والصافين والمسبحين فأول ما نزلت على أبي البشر آدم عليه السلام ، فقال : قد أمن ذريتي من العذاب ما داوموا على قراءتها ، ثم رفعت فانزلت على ابراهيم الخليل أبو الانبياء – عليه الصلاة والسلام – في سورة الحمد فتلاها وهو في كفة المنجنيق ، فجعل الله النار عليه برداً وسلاماً ، ثم رفعت بعده فانزلت على كليم الله موسى – عليه السلام – في الصحف ، فيها قهر فرعون وسحرته وهامان وجنوده وقارون واتباعه ، ثم رفعت بعده فأنزلت على سليمان بن داود – عليهما السلام – فعندها قالت الملائكة : اليوم والله ملكك يا ابن داود ، فلم يقرأها سليمان على شيء الا خضع له ، وأمره الله يوم أنزلها عليه أنْ ينادي في أسباط بني اسرائيل الا من أحب أنْ يسمع آية أمان الله فليحضر الى سليمان من محراب داود ؛فانه يريد ان يقوم خطيباً ، فلم يبق محبوس نفسهُ في العبادة ولا سائح الا هرول اليه حتى اجتمعت الأحبار ، والعباد ، والزهاد ، والأسباط كلها عنده فقام فرقى المنبر وتلا عليهم آية الأمان : بسم الله الرحمن الرحيم ، فلم يسمعها احد الا امتلأ فرحاً ، وقالوا نشهد انك لرسول الله حقاً ، فبها قهر سليمان ملوك الأرض ، وبها افتتح الله لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مكة . ثم رفعت بعد سليمان فأنزلت على المسيح عيسن بن مريم – عليه السلام – ففرح بها ، واستبشر بها الحواريون ، فاوحى الله – تعالى – اليه : يا بن العذراء أتدري أيَّ آية انزلت عليك ؟ انها آية الأمان ، قوله بسم الله الرحمن الرحيم ، فأكثر تلاوتها في قيامك وقعودك ومضجعك ومجيئك وذهابك وصعودك وهبوطك ، فانه من وافى يوم القيامة وفي صحيفته بسم الله الرحمن الرحيم ثمانمئة مرة وكان مؤمناً وبربوبتي اعتقته من النار ، وادخلته الجنة ، فلتكن افتتاح قراءتك وصلاتك ، فإن من جعلها في افتتاح قراءته وصلاته اذا مات على ذلك لم يرعه منكر ونكير ، وهون عليه سكرات الموت وضغطة القبر ، وكانت رحمتي عليه وأفسح له في قبره وأنور له في قبره ، وأنور له فيه مدَّ بصيره واخرجه من قبره أبيض الجسم وأنور الوجه ، يتلألأ نوره ، وأحاسبه حساباً يسيراً ، وأثقل ميزانه ، وأعطيه النور التام على الصراط حتى يدخل الجنة ، وآمر المنادي ان ينادى به في عرصات القيامة بالسعادة والمغرة . قال عيسى – عليه السلام – : اللهم يارب فهذا لي خاصة ؟ فقال : لك خاصة ولمن تبعك وأخذ اخذك وقال بقولك وهو لأحمد وأمته من بعدك واخبر عيسى – عليه السلام – بذلك أتباعه فقال ((وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ )) (سورة الصف الآية : 6) من صفته ، ونعته ، وفضله كيت وكيت ، واخذ ميثاقهم بالإيمان به وجدد شأنه عندما رفعه الله – تعالى – الى السماء لاصحابه ، فلما انقرض الحواريون ومن اتبعه وجاء الاخرون فضلوا ، وأضلوا وبدَّلوا واستبدلوا بالدين دنياهم ، فرفعت عندها آية الأمان من صدور النصارى وبقيت في صدور مسلمي اهل الانجيل مثل بحيرا الراهب وأمثاله ، حتى بعث الله – تعالى – النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فانزلت عليه سورة الحمد بمكة ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فكتبت تلك على رؤوس السور ، وصدور الرسائل ، والدفاتر فكان نزول هذه الآية على رسول الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فتحاً عظيماً ، وحلف رب العزة بعزته ان لايسمي مؤمنٌ موقن على شيء الا باركت له فيه، ولا يقرؤها مؤمن الا قالت الجنة له: لبيك وسعديك اللهم ادخل عبدك هذا فيَّ بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم، فاذا دعت الجنة لعبد فقد استوجب له دخولها، وقد قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لايرد دعاء أوله بسم الله الرحمن الرحيم) قال (وان أمتي يأتون يوم القيامة وهم يقولون بسم الله الرحمن الرحيم، فثقل حسناتهم في الميزان فتقول الامم: ما ارجح موازين امة محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فتقول الانبياء لهم: كان امة محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مبتدأ كلامهم ثلاثة اسماء من اسماء الله – تعالى- الكرام، لو وضعت في كفة الميزان سيئات الخلق جميعا في الكفة الاخرى لرجحت حسناتهم). قال: وجعل الله – تعالى- هذه الآية شفاء من كل داء وعونا لكل دواء، وغنى من كل فقر، وسترا من النار، وامانا من الخسف والمسخ والقذف ماداموا على قراءتها.

وفي فضل بسم الله الرحمن الرحيم عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما- قال: (لما نزلت بسم الله الرحمن الرحيم، هرب الغيم الى الشرق، وسكنت الرياح ، وهاج البحر ، واصغت البهائم بآذانها ورجمت الشياطين من السماء وحلف الله – عز وجل – بعزته لايسمى اسمه على سقم الا شفاه، ولا يسمى اسمه على شيء الا بارك فيه، ومن قرأ بسم الله الرحمن الرحيم دخل الجنة) وعن ابي وائل عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- قال: (من أراد ان ينجيه الله من الزبانية التسع عشرة فليقل: بسم الله الرحمن الرحيم ، فإنها تسعة عشر حرفا ليجعل الله – تعالى- لكل حرف منها جنة من واحد منهم) وعن طاوس عن ابن عباس – رضي الله عنهما- ان عثمان بن عفان – رضي الله عنه- (سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن بسم الله الرحمن الرحيم قال، فقال: هو اسم من اسماء الله – عز وجل- وما بينه وبين اسم الله الاعظم الا كما بين سواد العين وبياضها من القرب) وعن انس بن مالك – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (من رفع قرطاسا من الأرض فيه بسم الله الرحمن الرحيم اجلالا لله ان يداس، كتب عنده من الصديقين، وخفف عن والديه وان كانا مشركين) يعني العذاب. وعن سالم بن الجعد ان عليا عليه السلام – رضي الله عنه- قال :(لما انزلت بسم الله الرحمن الرحيم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم اول ما انزلت هذه الآية على آدم، فقال أمِن ذريتي من العذاب ما دامو على قراءتها).وتحدث المفسرون – رحمهم الله تعالى- الكثير عن تفسير بسم الله الرحمن الرحيم، ونتناول ذلك باختصار واقول وبالله التوفيق في قوله – عز وجل- (بسم الله) روي عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى لله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ان عيسى – عليه السلام- أرسلته أُمه – رضي الله عنها- الى الكتاب ليتعلم فقال له المعلم: قل بسم الله الرحمن الرحيم فقال عيسى – عليه السلام- : وما بسم الله ؟ قال لا أدري ، قال : الباء بهاء الله ، والسين ، سناء الله ، والميم مملكتة ) وقال أبو بكر الوراق : بسم الله روضتة من رياض الجنة ،لكل حرف منها تفسير على حدة ، فالباء على ستة أوجه بارئُ خلقة من العرش الى الثرى ، بيانه ((هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ)) (سورة الحشر الآية :24) ، بصير بخلقة من العرش الى الثرى ، بيانه باسط رزق خلقه من العرش إلى الثرى بيانه :((اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ)) (سورة الرعد الآية : 26) ((وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)) (سورة الحجرات الآية: 18) باق بعد فناء خلقه من العرش الى الثرى ، بيانه ((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ))( سورة الرحمن الآية :26-27) باعث الخلق بعد الموت من العرش الى الثرى للثواب والعقاب بيانه ((وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ)) ( سورة الحج الآية : 7) بار بالمؤمنين من العرش الى الثرى ، بيانه ((هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)) (سورة الطور الآية : 28) . والسين على خمسة أوجه : سميع ، لاصوات خلقه من العرش الى الثرى ، بيانه (( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ)) (سورة الزخرف الآية : 80) سيد قد انتهى سؤدده من العرش الى الثرى بيانه ((اللَّهُ الصَّمَدُ)) ( سورة الإخلاص الآية : 2) سريع الحساب مع خلقه من العرش الى الثرى بيانه ((وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) (سورة البقرة الآية : 202) سلام سلم

خلقه من الظلمة من العرش الى الثرى ، بيانه ((السَّلامُ الْمُؤْمِنُ)) ( سورة الحشر الآية : 23) ساتر ذنوب عباده من العرش الى الثرى ، بيانه ((غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ)) ( سورة غافر الآية : 3) ، والميم : على أثني عشر وجهاً : ملك الخلق من العرش الى الثرى ، بيانه ((الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ)) ( سورة الحشر الآية : 23) مالك خلقه من العرش الى الثرى ، بيانه ، ((قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ)) ( سورة آل عمران الآية : 26) منان على خلقه من العرش الى الثرى ، بيانه ((بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ)) ( سورة الحجرات الآية : 17) مجيد على خلقه من العرش الى الثرى ، بيانه ((ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ)) ( سورة البروج الآية : 15) مؤمن آمن خلقه من العرش الى الثرى ، بيانه ((وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)) ( سورة قريش الآية : 4) مهمين اطلع على خلقه من العرش الى الثرى ، بيانه ((الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ)) ( سورة الحشر الآية : 23) مقتدرٌ على خلقه من العرش الى الثرى ، بيانه ((فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)) ( سورة القمر الآية :55) مقيت على خلقه من العرش الى الثرى ، بيانه ((وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً)) ( سورة النساء الآية : 85 ) مكرّم أوليائه من العرش الى الثرى ، بيانه ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)) ( سورة الإسراء الآية : 70) منعم على خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه ((وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)) ( سورة لقمان الآية : 20 ) مفضل على خلقه من العرش الى الثرى ، بيانه ((إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ)) ( سورة غافر الآية : 61) مصور خلقه من العرش الى الثرى ، بيانه ((الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ)) ( سورة الحشر الآية : 24) . وقال أهل الحقائق ، وانما المعنى في بسم الله الرحمن الرحيم : التيمن والتبرك وحث الناس على الابتداءفي اقوالهم وافعالهم ببسم الله كما افتتح الله – سبحانه وتعالى – كتابه العزيز .