07 / 05 / 2014

العِلم الصحيح والعِلم الباطل

بقلم : أ.د. عماد الدين خليل

ما دامت ( المادية الديالكتيكية ) التي تدّعي العلمية ، تقوم – ابتداء – على الإلحاد وإنكار الوجود الإلهي المهيمن على الكون ، والمفسّر لنشأته وصيرورته ومصيره ، فهي إذاً في المنظور الإسلامي ، غير علمية … إذا كان العلم يعني الاقتراب من الحقيقة واتخاذ الأسباب والمناهج الموصلة إليها …

إن الدين ، وفق هذا المنطوق ، هو العلم الصحيح ، وما دونه الباطل والضلال والخرافة ، مهما ادعى أصحاب المقولة الكاذبة هذه ، ورسموا ، وشيّدوا من نظريات ، وبنوا من صروح ، وقدّموا من أرقام وتحليلات ، توهم المتعاملين معها بالضخامة والجدية والعظمة والصدق والعلمية … إلى آخره … لكنها – في حقيقة الأمر – ما دامت تقوم على الظن والهوى والتخمين والرؤية المحدودة ، والحسابات النسبية القاصرة ، لا تعدو أن تكون ( بالونات ) منفوخة ، أو عمارات كارتونية سرعان ما تعرّضها حركة التاريخ للانهيار … ((إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى ))( النجم : الآية 23 ).

بعض الأدعياء يعرفون ما ستؤول دعاواهم الكاذبة هذه فيسارعون إلى إجراء بعض الترميمات والإصلاحات على نظرياتهم لكي تكون أكثر قدرة على مجابهة التحديات قبل ان يطويها النسيان … وبعضهم الآخر يتشبث بعلميتها التي ما تلبث ان تقودها إلى البوار …

وفي الحالتين فإن المصير الذي ينتظر الدعاوى الإلحادية هو السقوط النهائي … وها هي سيّدتهم ( المادية الديالكتيكية ) تخرج من التاريخ بسبب ما كانت تعانيه من شروخ ، عجزت معها عن تقديم تفسير علمي دقيق ومحكم لهذا الكون الهائل في انضباطه وحركته واتساعه وتوافقه المدهش …

ولطالما قالها القرآن الكريم في العديد من آياته البيّنات ، بأن العلم الوحيد الذي يفسّر الظاهرة الكونية ، انما هو الدين أو الوحي القادم من السماء ، وأن ليس وراء ذلك إلاّ الضلال المبني على الظنون والأهواء والميول والتحزّبات والرؤى النسبية المرتبطة بزمانها ومكانها ، والتي لن تلبث الحركة التاريخية المتحررة من أسر الزمن والمكان أن تتجاوزها …

والحق أن كلمة ( العلم ) وردت في القرآن الكريم مراراً كمصطلح على الدين نفسه الذي علّمه الله أنبياءه … على النواميس التي يسيّر بها الله ملكوته العظيم … على الحقائق الكبرى الموجودة عند الله – سبحانه – في أم الكتاب ، وكإشارة إلى القيم الدينية التي تنزّلت من السماء … ومن ثم يغدو ( العلم ) و ( الدين ) سواء في لغة القرآن … وها هي كلمات الله – سبحانه – .تعلمنا هذه الحقيقة ، وتبصّرنا بمواقع العلم والدين الفسيحة ، الممتدة ، المتداخلة ، كما أراد لها الله أن تكون ، لا كما يريد لها أصحاب( الظن) من الوضعيين … ولنستمع إلى بعضٍ من كلمات الله : ((وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ))( البقرة : الآية 120 )،… ((وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ ))البقرة : الآية 145 … ((وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ))آل عمران : الآية 7 ، (( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )) آل عمران : الآية 18 ، … ((مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ)) ( النساء : الآية 157 ) ، ((لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً)) النساء : الآية 162 ، ((وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ)) ( الأنعام : الآية 119 ) ، ((نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ))( الأنعام : الآية 143 ) ، ((فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ))( الأنعام : الآية 144 ) ، ((قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ))(الأنعام: الآية 148 ) ، ((وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) ( الأعراف : الآية 52 ) ، ((وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ))( يوسف : الآية 68 ) ، ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ))( الإسراء : الآية 36 ) ، ((وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ))( الحج : الآية 3 ) ، ((وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))( الحج : الآية 54 ) ، ((قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ))( النمل : الآية 40 ) ، ((بَلْ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ))( الروم : الآية 29 ) ، ((مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ))( الزخرف : الآية 20 ) ، ((وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ)) ( الجاثية : الآية 24 ) ، ((وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ))( الأحقاف : الآية 4 ) ، ((وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً)) ( النجم : الآية 28 ) ، ((ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اهْتَدَى))( النجم : الآية 30 ) ، ((يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) ( المجادلة : الآية 11 ) ، ((وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ))   ( يوسف : الآية 22 ) ، ((وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)) ( البقرة : الآية 31 ) ، ((الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ))( العلق : الآيات 4 – 5 ) ، ((إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ))( فاطر : الآية 28 ).

ولا يسعنا هنا استعراض جلّ ما ورد من آيات في هذا المجال ، ويكفي أن نشير إلى أن كلمة ( علم ) بتصريفاتها المختلفة وردت في عدد من الآيات جاوز السبعمئة والخمسين …

وهكذا يصبح ( الإيمان ) بالنسبة لكل إنسان سوي عاقل ، ولكل عالم ، بمفرداته كافة ، بدءاً بوحدانية الله وانتهاء بتركيب الكون الذي يقود بالضرورة إلى خالقه – جلّ في علاه – … على درجة من اليقين الذي يرفض أي شك أو مداخلة مضادة ، مثل 1 + 1 = 2 !!

وكما قال أحدهم : أصبحت أتهم كل من ينتمي لغير الإيمان بالتخلف العقلي أو الغباء … ولم أعد أقدر على التعايش معه ، أو مجاملته أو قضاء ولو دقائق معدودات في صحبته !!

 


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه