08 / 04 / 2014

القول المفيد في تفسير سورة الحديد

د. محمود الصميدعي

بين يدي السورة

نحن امام سورة كريمة من سور القرآن الكريم، هذه السورة تسمى (سورة الحديد) ولعل في تسمية هذه السورة بهذا الأسم اكثر من دلالة، منها ارتباط المسلم بالارض ارتباطا يدفعه الى التنقيب من اجل اعمارها وحماية هذا الاعمار، ومنها ان المسلم لن تحميه وتنصره إلاّ يده المؤمنة التي تعرف كيف تبحث عن الحديد،  وتصوغه من اجل الحماية والنصر، ولاسيما ان الدولة المعاصرة التي تملك خام الحديد تستطيع ان ترهب اعداءها بما يتيحه لها هذا الخام من مقدرة على التسلح الثقيل، وتستطيع ايضا ان تخطو خطوات واسعة لكي تقف في مصاف الدول الصناعية العظمى التي يشكل الحديد العمود الفقري لصناعتها وغناها.

فهل ثمة اكثر من دلالة على ارتباط المسلم بالارض من تسمية سورة كاملة باسم خام من أهم خاماتها واخطرها ، وهل ثمة حاجة للتاكيد على الأهمية المتزايدة  للحديد بمرور الزمن في مسائل السلم والحرب،  وانه في عصرنا الراهن هذا وسيلة من أهم الوسائل في موازين القوى الدولية سلما وحربا؟

ثم ألآ يلفت انظارنا هذا التداخل العميق، والارتباط الصميم في آية منها هي (آية الحديد) بين ارسال الرسل، وانزال الكتب معهم، واقامة الموازين الدقيقة لنشر العدل بين الناس، وبين انزال الحديد الذي يحمل في طياته البأس والمنفعة، ثم التاكيد على ان هذا كله انما يجيء لكي يعلم الله ((مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ))( الحديد: 25) وهذه الموقف التداخل يذكرنا بآية من كتاب الله – تعالى-: تنادي المسلمين ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ))

( الانفال) 60، لكي يعتمد المسلمون الحديد، هذا الخام الخطير، مادة اساسية لاعداد القوة، وارهاب الاعداء، في عالم يضيع فيه ويداس من لايملك القدرة على ارهاب اعدائه.

اذاً لابد من معرفة حقيقية انه بدون الاعتماد الواعي، المسؤول، البصير بمصادر القوة والباس فلن يكون هناك نصر او حماية للموازين العادلة التي جاء بها الانبياء –عليهم السلام- بكتبهم وتعاليمهم لتنفيذها في الارض، حتى ولو حبس المؤمنون انفسهم في المساجد السنين الطوال يبكون ويتضرعون.

ولذلك كانت بداية هذه السورة الكريمة تتحدث عن عظمة الخالق – جل وعلا- الذي سبّح له كل ما في الكون، وقدسه كل مخلوق، لتشعر القلوب بهذه العظمة من اجل ان تكون اساسا رصينا لبناء عقيدة راسخة، يقوم عليها عزم لاتفله الجبال.

ولتقول ان الأمة التي لاتملك مثل هذه العقيدة، لايمكن لها ان ترتبط بالارض هذا الارتباط، ولايمكن لها ان تثبت امام الصعاب والملمات.

ولابد للعقيدة من عمل، ولابد من تضحية في النفس والمال، يتمثل بجهاد صادق في سبيل الله، وبذل سخي يسبقه ايمان يملأ القلوب ان هذا المال انما جعله الله – تعالى-: عارية بأيدينا واستخلفنا فيه.

ولابد من معرفة ان الدنيا حطام زائل وسراب خادع، مثلها كمثل النبات يخضر فيعجب الزراع ، ثم سرعان ما يجف ويصفر فيكون هشيما مسحوقاً.

ولابد من معرفة الأسى على فوات فرصة ما غلٌ ثقيل بأسر الانسان، ويرتد بوعيه الى الماضي ، ولايسمح له ان يخطو خطوة واحدة من ارضية الحاضر صوب آفاق المستقبل، واذا كان قد فاتنا ما فاتنا من ارتباط بالأرض، وسبْق اعدائنا لذلك فلا نأس عليه فإن المستقبل امامنا.

ولاينبغي ان نفرح بمكسب وقتي ، وان نجاح عابر يعقبه حزن عميق.

ثم لابد لنا ان نعرف ان الايمان بالله والتصديق برسله وبما جاؤوا به من البينات هو طريق الرحمة الالهية، وهو النور الذي يضيء لنا درب النجاة في الدنيا والاخرة.


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه