07 / 11 / 2013

المرأة نصف المجتمع

سرى الجميلي

المرأة و بكل اختصار إنسان ولا تختلف في انسانيتها عن الرجل ، اختلافهما في الخصائص البدنية و العاطفية لا يعني بالضرورة اختلافهما في الحقوق و الواجبات الإنسانية، فالجنسين في الإنسانية متساويان.  قال – تعالى- : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)) (سورة النساء).

يا أيها الناس: تعني الرجال والنساء.

فالمشاعر التي يشعر بها الرجل تشعر بها المرأة، والقيم التي يسمو إليها الرجل تسمو إليها المرأة، والبطولة التي يحققها الرجل تحققها المرأة، فالرجل والمرأة من نفس واحدة. (( وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (سورة النساء).

المرأة من حيث انها إنسان مشابهة للرجل تماماً، لقول النبي – عليه الصلاة والسلام- : (( إنما النساء شقائق الرجال))  وقوله – صلى الله عليه وسلم- : (( كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ؟)).  ( أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وأحمد ومالك) والمولود ذكراً كان أو أنثى.

وفضل الإسلام المرأة على الرجل بعدة مراتب منها أن الجنة بالتي فيها تحت أقدام الأمهات وفضل الأم على الأب وفضلها بأهم الناس صحبة لها في حديث الجنة تحت أقدامهن قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «الجنة تحت أقدام الأمهات» وجاء رضاهن بعد رضا الله – تعالى-  والإحسان إليهنّ جاء بعد عبادة الله – سبحانه- : (( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)) الاسراء: 23.

وورد أن عقوق الأم من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله «وليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة، وقال – صلى الله عليه وسلم – : (( أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين» والبر للأم يتقدم على البر للأب بثلاث مراتب! فقد جاء رجل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله ، من أبر؟

قال – صلى الله عليه وسلم- : (( أمك. قال: ثم من؟ قال : أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أباك)).  وهكذا إلى كثير من الشواهد التي تؤكد على منزلة الأم لدى الإسلام

أيضا حلف الله بالقران بالموؤدة البنت التي كان العرب قبل الإسلام يدفنونها وهي صغيرة؛ لأنهم يروها عاراً وأنها ستسأل عن أي ذنب  قتلت لقوله – تعالى-: ((وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)) التكوير: 9.  من ومن أوجه المساواة بين الزوجين قوله-  تعالى – : ((هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)) البقرة: 187، وأيضا قال النبي – عليه الصلاة والسلام-  : ((لم يقل خيركم أكرمك أو أحسنكم أو اتقاكم بل قال خيركم خيره لأهله وأنا خيركم لأهلي)). اي أشاد على الرجال أن يكونوا خيراً مع زوجاتهم وبناتهم

أية نظرة إلى المرأة على أنها من طبيعة أخرى، على أنها دون الرجل من حيث أنه إنسان هي نظرة جاهلية، لا يقرها الإسلام ولا يقبلها بل جاء ليحاربها وهي أحد أشكال العنصرية.

 يكفي ان المرأة نصف المجتمع، بل قد تزيد، فنحن عندما نتحدث عن حقوق و واجبات المرأة فإننا نتحدث عن حقوق و واجبات نصف المجتمع، و إن لم يؤمن أحدنا بحقوق و واجبات للمرأة أو لم ير لها أثرا فمن الذي يعمل و من الذي يملك حقوقا و واجبات إذاً؟
تارة نتحدث عن أقليات ، و تارة يختلف الأمر فنتحدث عن مجتمع، و نفهم المجتمع على أنه وحدة متناسقة تتحرك حركة موحدة، فالمرأة في مجتمع ما لا تمثل تياراً محدداً، و لا تمثل فكرا مخصصاً، و عندما يتحدث أحدهم عن وجود مستقل للمرأة أتساءل و هل للرجل وجود مستقل؟ هل يجمع الرجال فكراً أو تيار اً أو توجهاً معين؟ و يبدو هذا التساؤل ساذجاً لسببين، الأول لغرابته عن الواقع المعاش، و الثاني لتهميش المرأة في بعض المجتمعات، فيظهر و كأن الرجال هم أصحاب الرأي و هم المحركون للمجتمعات، لذلك يعتقد أنهم أكثر عرضة للاختلاف فيما بينهم من النساء.
و لا أستهين بنضال المرأة من أجل استكمال حقوقها في التاريخ و المجتمعات، لكن ينبغي مراجعة الطرح النسائي لموضوع النضال، و الذي يجعل المرأة كياناً مستقلا و كأنه إنسان من نوع آخر، نعم تختلف أدوار المرأة عن الرجل في الكثير من الأمور، لكن الفصل الإنساني غير وارد أبداً ، إذ يجب أن تكون الكفاءة وحدها هي معيار وصول الشخص الى مراكز القرار سواء كان رجلا أو امرأة

هل المرأة مسؤولة داخل البيت فقط أم أنها مطالبة بما يطالب به الرجل ؟!

    – الرجل له مسؤولياته داخل البيت وخارجه والمرأة لها مسؤوليات داخل البيت وخارجه، وحصر دور المرأة في البيت أمر ليس إسلاميًا وليس واقعيًا وليس معقولاً، فمن الذي حصر دور المرأة في البيت فقط؟! ومن ادعى هذا؟ ومن جعل مسؤولياتها في هذا النطاق فقط؟! هذا مفهوم غير إسلامي وغير تاريخي.
فأم سلمة شاركت في قضايا إسلامية مهمة جدًا عندما أخذ الرسول – صلى الله عليه وسلم- رأيها في هدنة الحديبية، وما كان الرأي الصحيح يغيب عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- ولكنه أخذ بمشورة زوجته في هذا الحدث التاريخي الذي يتعلق بمستقبل الإسلام والمسلمين؛ ليكون درسًا مهمًا للمسلمين في مثل هذه المواقف، وليبين – عليه الصلاة والسلام-  أن المرأة المسلمة لديها المقدرة العقلية على المشاركة الفعالة في القرارات السياسية.
وكذلك شاركت أم هانئ ابنة عم النبي – عليه الصلاة والسلام-  – ورضي الله عنها- في أخطر قرار عند فتح مكة وكان الرسول – عليه الصلاة والسلام- قد أهدر دماء بعض قادة قريش لسابق مواقفهم الإجرامية في حق الإسلام والمسلمين، وبرغم هذا تدخلت لحماية بعض هؤلاء والنبي – صلي الله عليه وسلم- قال لها: (( لقد أجرنا يا أم هانئ من أجرت)) ، فمعنى هذا أنها أبطلت أو كادت تبطل قرارًا سياسيًا مهمًا جدًا للمجتمع المسلم آنذاك، كذلك أم عمارة – رضي الله عنها- كانت مع الأنصار في بيعة العقبة الكبرى وهم يقررون قرارًا خطيرًا جدًا، وهو: حماية النبي – صلى الله عليه وسلم- في المدينة، وإقامة مجتمع مسلم هناك.. إذاً مشاركة المرأة المسلمة في القضايا المصيرية التي يموج بها المجتمع قديمة وثابتة وموجودة في التاريخ الإسلامي والسيرة.

وورد في الأثر أنه جاءت امرأة إلى رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله  وسلم-  فقالت:

(( يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه، تعلمنا ما علمك الله؟ قال: اجتمعن يوم كذا وكذا في موضع كذا وكذا، فاجتمعن، فأتاهن النبي – صلى الله عليه وسلم –  فعلمهن ما علمه الله.

   – إن المرأة لها أن توجد في كل الوظائف باستثناء الإمامة الكبرى وتولي القضاء، وهذا رأي مبني على الشرع ورأي العلماء وحكم الدين في عمل المرأة، ودور المرأة والمشاركة في الانتخابات مثل أي عمل آخر لها كالتدريس والطب وبقية الوظائف التي تعمل بها، فهي عضو في المجتمع ولها مصالح فيه وهي إحدى لبناته مثل الرجل تمامًا، والمرأة لها أن تشارك في المجالس النيابية بشرط أن تتوافر لديها ثقافة عالية ووعي سياسي وإلمام بقضايا المجتمع وقضايا الأمة، وأن تقدر مسؤولية ما هي مقبلة عليه في هذا المجال، وأن تكون لديها حصانة للمشاركة في حدود الآداب الإسلامية والشرع (الالتزام بالحجاب وبالسلوك الإسلامي).
ولنذكر أسماء بنت يزيد الأنصارية – وافدة النساء للنبي – صلى الله عليه وسلم – عندما تبنت الحديث باسم بنات جنسها لتسأل عن موضوعات تخصهن، وامرأة تمثل النساء للمطالبة بحقوقهن أمر ليس بجديد على الإسلام والمسلمين.  ولم لا ؟ :

 هل يمكن للمرأة المسلمة أن تصل إلى مستوى الزعامة النسائية ؟!
– الإجابة عن هذا السؤال عند الصدر الأول من الصحابيات.. فالسيدة أسماء بنت أبي بكر كانت لها زعامة وكانت لها قيادة، وكان المسلمون يرجعون إليها ويأخذون برأيها، وابنها عبد الله بن الزبير – وهو خليفة المسلمين آنذاك – كان يرجع إليها ويأخذ برأيها وتوجيهاتها.
فالمسألة تجاه المرأة ليست بهذا الانزواء وهذا الضيق، ففي سورة »مريم« يقول الله – عز وجل- : ((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ )) مريم،  ذكرها الله في وسط الأنبياء، وخاطبها الله عن طريق الوحي كما خاطب الأنبياء محمدًا، عيسى، موسى – عليهم الصلاة والسلام- ، وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون… لم يقل الله – عز وجل – ضرب الله مثلاً للنساء، بل للذين آمنوا (رجالاً ونساءً) كجانب إصلاحي.

أيضًا لكي يتم الفرض الخامس في الإسلام يجب أن نمشي خطوات هاجر ونسرع مثلها ونمشي سبعة أشواط مثلها.
فيجب ألا تشعر المرأة بأن دورها هامشي فتصغر في عين نفسها عندما لا تحس بإيجابيتها، فالمسؤولية لن تنتهي عند هذا الحد! فكما أن لها مسؤوليات داخل البيت لها أيضًا مسؤوليات خارجه فلا يجب أن يُحرم المجتمع من نشاط المرأة المسلمة الصالحة! وسورة »المجادلة« تذكر في القرآن إلى يوم القيامة..((  قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا)) المجادلة:1، كيف لامرأة أن تغير وجه المجتمع الإسلامي بجدال مبرر؟! ولم يجادل عنها أبوها أو أخوها.

فكيف إذن تفكر المرأة؟! وكيف يكون لها طموحات في الحياة وهي بهذه الشاكلة؟! ولماذا اهتمت المرأة المسلمة اليوم بالمشتريات وبتوافه الأمور؟! لأن دورها تقلص وفرغت اهتماماتها! فالمسؤولية والتكليف في هذه الحياة أكبر مما نظن، فيجب ألا نأخذ إسلامنا من أناس فهموا إسلامهم فهمًا خاطئًا.. يجب أن يتسع نطاق فهمنا للإسلام.
ومسألة أن امرأة تكون لها القدرة على قيادة الآخرين هذا لا يمنعه الإسلام، فالقرآن الكريم عندما حكى لنا قصة ملكة سبأ وعقلها وكياستها وفطنتها واختيارها في النهاية الأحسن والأوفق والأصلح حين أسلمت مع سليمان لله رب العالمين ، دلل على أن المرأة تملك القدرة على الزعامة، وكما ذكرت آنفًا أنه في تاريخ الإسلام والمسلمين شخصيات مرموقة، فوجود امرأة تتزعم مثيلاتها من النساء أمر لا يمنعه الإسلام، ولكن يُشترط أن يكون ذلك في حدود صيانة المرأة ودون التعالي على الرجال أو دون التحدي للرجال.. وبصورة تنفع بها المجتمع الذي تعيش فيه.  ولا يجب أن تقف المرأة هذا الموقف الذي لا يليق بها، لذلك يجب أن نعمل على تربية نساء مسلمات على درجة واعية جدًا في فهم الحياة والصراع السياسي والاجتماعي والصراع الحضاري الحديث الذي نحتاج فيه لكل قوة سواء كانت لرجل أو امرأة أو طفل أو كبير، ونحتاج فيه من بين النساء.. نساءً ذوات قدرة علمية وقدرة إفصاح للدفاع عن المرأة المسلمة وقيم المرأة المسلمة للوقوف أمام هذا الزحف الظالم الذي يجعل من المرأة سلعة رخيصة لأطماع الرجال بدءًا من جعلها قيمة جسدية في الإعلانات وانتهاء بما يُحاك لها في أروقة المؤتمرات.
كذلك نحن في حاجة إلى نماذج نسائية إسلامية في المؤتمرات الإسلامية والندوات على مستوى العالم وحتى في الأمم المتحدة؛ لكي نثبت أن نساء الإسلام على مستوى عالٍ من الوعي والإدراك


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه