08 / 04 / 2014

الميلاد الحقيقي للانسان

د. محمد الحمد

يقول الباري – تبارك وتعالى-: ((أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا))  ( الانعام 122) ، هذه الآية الكريمة تتحدث عن الميلاد الحقيقي للانسان هذا الميلاد الحقيقي يوم يدخل الاسلام هذا الميلاد الحقيقي يوم  وقر في  قلبه الايمان وصدقه العمل. هذا الميلاد الميمون يشعرك بأنك لم تخلق عبثا ولم تترك هملا بل خلقت لغاية وغاية الله ومراده هي العبادة.

قال – تعالى-: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)) (الذاريات :56).

ولدتك امك يا ابن ادم باكياً ………. والناس حولك يضحكون سرورا ً

فاعمل لنفسك ان تكون اذا بكوا…… ..في يوم موتك  ضاحكا ومسروراً

 ما اجملها من ايام يوم يعود الانسان الى الواحد الديان. وما اجملها من ايام يوم يذوق الانسان حلاوة الايمان وما اجملها من ايام يوم تذرف  بالدمع العينان عينان لاتمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله.

واستمع اخي المسلم – وفقك الله-. الى من خلقك واوجدك وسواك وهو يتحدث عن اولئك الذين بارزوه بالمعاصي وحاربوه بالمنكرات ولم يخشوا يوما يؤخذ بالنواصي والاقدام.

قال الله – تعالى- : ((حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ)) المؤمن

فيكون الجواب كلا. كلا انها كلمة هو قائلها كلا فقد امهلناك كلا فقد تركناك فتماديت.

وما رجعت وما باليت كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون واسمع هذه القصة العجيبة قصة هذا الذي ندم على ما فعل وتمنى لو انه قد فعل احسن مما كان فعل احد السلف الصالح وهو في سكرات الموت كان يردد ويقول ياليته كان جديدا ياليته كان كله وتعجب من ذلك ابناؤه ماذا يقصد ابونا بذلك.

فلما افاق سأله ابناؤه فقال العبد الصالح: مرّ بي فقير ذات يوم فقال اعطني ثوبا استر به عورتي سترك الله في الدنيا والاخرة فاعطيته ثوبا قديما وكان عندي ثوب جديد.

فعرض علي الأن اجر الثوب القديم فإذا به اجر قليل وعرض عليّ اجر الثوب الجديد اجر كثير فقلت: ياليته كان جديدا. ومر فقير لم يأكل منذ ثلاثة ايام وبيدي رغيف خبز، فقال: أعطني الرغيف، فأعطيته قليلا منه فعرض علي الآن ثواب الرغيف، فاذا به ثواب كثير فقلت: ياليته كان كله وظل يردد حتى مات ياليته كان جديدا ياليته كان كله.

قال تعالى:  ((فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)) آل (عمران:185)، وهذا سيدنا بلال الحبشي –رضي الله عنه – عندما اعشق عقيدة التوحيد. ونادى بلا اله الا الله افتتن بها وعذبوه وعلى الرمال سحبوه ووضعوا الصخرة فوق صدره وهو ينادي احد احد ويقول: لو اعلم كلمة تغيظهم اشد منها لقلتها. مات بلال رضي الله عنه، ومات الذي كان يعذبه امية بن خلف ولكن مصيرهم مختلف بلال في الجنة وامية في النار.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم : يا بلال، لقد سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة فما الذي بلغ بك هذه المنزلة فقال: يا رسول الله، ما توضأت وضوءاً في ليل او نهار إلاّ صليت بذلك الوضوء ما كتب الله لي.

فقال صلى الله عليه وسلم: هذا الذي بلغ  بك المنازل ، هذا الذي بلغ بك المنازل. يقول الامام الزهري لأبي حميد الا احدثك حديثا بكى منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. رجل اسرف على نفسه فعل المعاصي وارتكب المنكرات واثقلته الذنوب وقصر في جنب الله فقال لابنائه وهو على فراش الموت كيف كنت لكم ابا. فقال ابناؤه لقد كنت لنا خير اب. فقال : ابنائي، اني اسرفت على نفسي وقصرت في جنب الله  وان قدر الله علي ليعذبني عذابا لم يعذبه احدا من العالمين ابنائي اذا انا مت فاحرقوني ثم دقوا عظامي واسحنوني واجعلوها رمادا وانتظروا يوما عاصفا واصعدوا جبلا شاهقا فذروني في البر والبحر. فلما مات فعلوا به ذلك ولكنه الله امر البحر ان يجمع ما فيه وامر البر ان يجمع ما فيه واذا به واقف بين يدي الله فقال له عبدي ما حملك على ما صنعت فقال: خشيتك يا رب قال: اذهب قد غفرت لك بخشيتك اياي، قال – تعالى-: ((فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)) (الفرقان:70) .

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: حدثوا عن بني اسرائيل فإن فيهم الاعاجيب ففي زمن موسى عليه الصلاة والسلام لم تمطر السماء فأصابهم القحط فقال قوم موسى لموسى: يا نبي الله، هلكت الزروع وهلكت المواشي وانت كليم الله. فادعو الله – جل وعلا- ان ينزل علينا المطر، فاختار موسى من قومه وخرجوا يدعون الله في البادية فاخذوا يصلون ويدعون ولكن لم ينزل عليهم المطر. فقالوا: يا نبي الله، انت كليم الله فكلم ربك لم حبس المطر فذهب موسى لميقات ربه فكلمه الله وقال له: يا موسى، منعت عنكم المطر؛ لأن فيكم عبد عصاني ارتكب السيئات وفعل الموبقات وكانت عنده غدرات وعنده فجرات. فاذا خرج من بينكم انزلت عليكم المطر فعاد موسى الى قومه وقال لهم: ان الذي حبس عنا المطر هو ان بيننا عبداً عصا الله فإن خرج من بيننا نزل علينا المطر. فإن لم يخرج بالنهار فليخرج بالليل فإن الليل ساتر.

 وما ان جاء الليل حتى هتف بالله ذلك العاصي وقال: وافضيحتاه وافضيحتاه غدا يفتضح أمري ويبان سري غدا افضح على رؤوس الاشهاد.

واخذ يهتف بالله ويقول: يا رب يا رب تبت اليك يا رب يا رب عدت اليك يا رب فلا تفضحني بين قومي واهل عشيرتي واغفر ذنبي واستر عيوبي، وما ان جاء الصباح ولم يخرج احد بليل ولم يخرج احد بالنهار واخذوا يصلون ويدعون الله، فأنزل عليهم المطر فقالوا: يا موسى، لقد نزل علينا المطر  ولم يخرج من بيننا العاصي اتستهزئ بنا يا موسى، فذهب موسى الى ربه – جل وعلا- وقال: يا رب ان قومي كذبوني ولم يخرج من بيننا العاصي وانزلت علينا المطر فقال الله – جل وعلا- :  يا موسى، كان بينكم ولكن ما ان جاء الليل حتى هتف بي العاصي وقال: وافضيحتاه غدا يفتضح أمري، يا رب تبت اليك يار ب عدت اليك يارب عدت اليك فأقل عثرتي واغفر زلتي. يا موسى فقد قبلت توبته، واقلت عثرته، وغفرت زلته وانزلت عليكم المطر.

فقال موسى: يارب، علمني عليه فقال الله: ياموسى لقد سترته وهو يعصيني فكيف افضحه وقد تاب اليّ.

هذا هو الميلاد الحقيقي هذا الانسان التائب قد ولد من جديد هذا التائب قد عاد له الأمل قد فتحت له ابواب الرحمة وهو من المقبولين فهنيئا له هذا القبول.


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه