28 / 09 / 2014

الناس سواء

الدكتور احمد عبد مرزوك
يولد بني البشر متشابهون في كل شيء، فالجميع يولدون صامتين، ثم لم يلبثوا ان يصرخوا صرختهم الاولى وعادة مايكون اسرعهم بداية للصراخ واعلاهم صوتا ، اوفرهم فرصة في صحة جيدة على المدى القصير على ان من يتاخر بدء صراخه كثيرا قد يتاخر نموه العقلي وبالتالي قدرته على الإنجاز والكسب والتميز في كل شيء.

وهنا تبدأ اولى الفوارق بين بني البشر الا ان الفوارق بين الاطفال لا تكاد تحس إلا لذوي الاختصاص والاهتمام، فالاطفال في اوائل ايامهم لايعرفون سوى البكاء ليعبروا به عن الألم او الجوع او الحر او البرد او عدم الارتياح ولافرق بينهم في ذلك حتى الأربعين يوما من العمر، وفي هذا العمر تبدا اولى الفوارق الحقيقية والممكن ملاحظتها وقياسها عند الاطفال الأصحاء إذ يبدا الطفل بالتعبير عن الفرح والاستئناس والألفة عن طريق الابتسام ومن ثم المناغاة ويتخلف المتخلفون عقليا)واوكد المتخلفون عقليا لسبب سنعرفه لاحقا( يتشابهون في انهم لايستطيعون ان يعبرو اعن انفسهم الا من خلال الصراخ والبكاء، وسيبقى التشابه بينهم قائما لأوقات تعتمد على شدة درجة التخلف العقلي المصابين به .
وينطلق الاطفال الأصحاء متشابهين في اشياء كثيرة فأمهات الاطفال عموما يغلفن الجزء الاسفل من اجساد اطفالهن بالحفاظات؛ لانهم يوسخون انفسهم ومحيطهم بفضلاتهم، وربما يأكلون تلك الفضلات؛ لانهم ببساطة متشابهون في عدم معرفة الفرق بين النظافة والقذارة، ويستمر التشابه لمسافة اخرى في ان الطفل لا يدري ماهو الشيء الذي لا يجب ان يتفوه به امام الغرباء؛ لأنه )عيب (بل ان معظم الاطفال يتسابقون في استعراض مفرداتهم (المعيبة) وقد يعجبهم ضحك الكبار على العبارات (قليلةالادب( فيكثرون من ترديدها، وقد يعاني بعض اولياء الامور والمربون حتى (يفطموا ( الاطفال عن مثل تلك العبارات، ويستمر التشابه ، ولكن في صور اخرى، فالطفل قد يعتقد ان كل ماهو في سن ابيه هو والده وكل من في سن امه هي والدته، والعجيب اننا نحن الاباء والامهات حين نسمع صوت طفل صغير ينادي بابا او ماما نلتفت فورا ظنا ان المنادي هو احد اولادنا، فعلا ولكن الطفل سرعان ما يتبين الفرق في مدة غير بعيدة، ويتشابه الاطفال بعد ذلك في ان اباءهم وامهاتهم افضل الناس، وانهم يعرفون كل شيء حتى يدخلوا المدارس فيتعلمون ان هذا ليس بالضرورة ان يكون صحيحا، وهنا تبدا الفوارق بالاتساع فيكون قدوة الطفل زيد هو المعلم عمرو؛ لانه هو اول من علمه الحرف والحساب والمبادئ الاولية في اسس التعامل مع الغرباء على اساس ممنهج وبضوابط وتعليمات يكافأ عند الالتزام بها ويحاسب عند خرقها ، في حين ان الاطفال الاخرين تختلف قدواتهم ببساطة؛ لأن من علم حسين هو شخص اخر غير المعلم عمرو؛ لانه من حي اخر ومدرسة اخرى ، وتبدأ الفوارق بالاتساع فجون ينطق لسانه بالانكليزية، واوغلو يتكلم التركية، وشونلاي يتحدث بالصينية ؛لأن تلك السنة ابائهم ولا فخر لاحد منهم على احد ولكنهم بالتاكيد مختلفون عن بعضهم وهذا الاختلاف واجب التفهم والاحترام، وحين يكبرون يكتشف حيدر انه مسلم، وراو يعرف انه هندوسي، وديفيد يهودي ، ومرة اخرى لا لذنب لهم ولا فخر في ذلك فما كان لهم الخيرة في اعتناق غير ما وجدوا عليهم أباءهم، واظنك سيدي القارئ تحسست كم اصبح الفارق هائلا بين جورج المسيحي الذي اطلق صرخته الاولى في باريس و(تنينه) اياد المسلم الذي اطلق صرخته في نفس اللحظة في رام الله، بل انني اعتقد انك سوف لن تستطيع ان تجد وجه شبه واحد بينهما سوى انهما يسيران على اثنين بدلا من اربع.
وبعد كل هذاالتميز وتلك الفروق والتي ان استطردت معك في تعدادها لقلت لي انك بدأت تتحدث عن كائنات مختلفة عن بعضها . وهنا أود ان اطرح افتراضا:- لو قابلنا قادما مفترضا من كوكب اخر وطلبنا منه ان يتعايش مع مجموعة من الأشخاص الاربعينيين )بلغ كل منهم 40 سنة من العمر) نختارهم بعشوائية محكمة على ان يكونوا من أديان ولغات وقوميات مختلفة، ولنفترض ان ذلك القادم الخارق يعرف جميع اللغات التي يتحدث بها الاربعينيون، وبعد شهر من الزمان اخبرناه ان اولئك الناس كانوا قبل اربعين عاما متشابهين في كل شيء (كل شيء) عدا بعض الفوارق في لون البشرة وملامح الوجوه والاجساد لأجابك فورا ان الفرق في البشرة او ملامح الوجه او تقاسيم الجسد هي فروق شكلية ليس لها اي قيمة فعلية، ولكن كل ماعدا ذلك هي فروق جوهرية، فكل فرد من هؤلاء الناس سقى من فكر مختلف ورضع من دين اخر واطعم من مذهب متميز وعبد ربه بطريقة اهله، وانك اذا أردت من هؤلاء الناس ان يكونو اعضاء نافعين وبناة حضارة حقيقين فعليك ان تعترف بكل الفوارق وان تحترم كل الخصوصيات وان تعتمد الانجاز والابداع والعطاء وان تمنح كل مجتهد مكافأة وان تعطي لكل مسيء جزاء رادعا اما مايؤمنون به وما يمارسونه من طقوس؛ فذلك لهم وحدهم شريطة ان لا يؤثروا على الاخرين ،لأن هؤلاء الناس مختلفون في كل شيء الافي قدرتهم على فعل الخيروالعطاء غير المحدود شريطة ان تحترم خصوصياتهم وتعترف بان كل منهم مختلف عن الاخر، وان لا تجبرهم ان يقفوا على نفس المربع الذي تقف عليه، لأن هذا المربع مخلوق لك وحدك، وان لكل من هؤلاء الناس مربع يقف عليه ولايجب ان نطلب منه مغادرته إلافيما يتعلق بالعطاء الذي يعود عليه وعلى بني جنسه بالخير والمحبة .


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه