28 / 09 / 2014

اهل الكتاب

د. سندس اكرم

هو اسم يطلق في الإسلام على أصحاب الديانات السماوية التي يعترف بها الإسلام، وغالبا ما يشار به إلى أتباع اليهودية، والمسيحية؛ لكنه يشمل أيضا كل من تنزل عليهم كتاب سماوي بحسب معتقد المسلمين، وهم اليهود والمسيحيون والصابئة والحنيفية. ومن الكتب السماوية المذكورة في القرآن: التوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم ، وصحف موسى

والشريعة الاسلامية نظام عالمي لا يختص بمكان دون آخر فهي للعالم اجمع يخاطب بها المسلم وغير المسلم وساكن البلاد الاسلامية وغيرها. ومن هذه الحقوق:

  1. الحماية من أي اعتداء: وذلك بمقتضى عقد الذمة؛ لأنهم صاروا من أهل دار الاسلام لهم من الحقوق مثل المسلمين. فيجب على الإمام حفظ أهل الذمة ومنع أذيتهم، وفك أسرهم، ودفع من قصدهم بأذى. ويقول ابن حزم: ان من واجب المسلم للذميين الرفق بضعفائهم وسد فقرهم والباس عاريهم ومخاطبتهم باللين واخلاص النصح لهم. وصون أموالهم، وعيالهم، وأعراضهم، وجميع حقوقهم، ومصالحهم.
  2. التأمين ضد العجز والشيخوخة: توجب رعاية وكفاية الذمي اذا نزلت به نازلة فاصبح فقيرا، فقد مر عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- بسائل شيخ كبير السن ضرير البصر، فضرب كتفه من الخلف وقال له: من اي اهل الكتاب انت؟ قال يهودي.

قال فما الجأك الى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية، والحاجة، والسن. فاخذ عمر بيده الى منزله فاعطاه شيئا من المال. ثم أرسل الى خازن بيت المال فقال له: انظروا هذا وضرباءه. فوالله ما نصفناه اكلنا شبيبته ثم خذلناه عند الهرم.

  1. دفع الظلم: منع الاسلام على المسلمين ان يمدوا أيديهم والسنتهم بأذى أو عدوان على أحدٍ من أهل الذمة وجاءت الأحاديث الصحيحة صريحة في هذا الامر، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وان ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما)) رواه البخاري.
  2. حماية الأموال والأعراض: لأهل الذمة حق في دار الاسلام في الحماية لأموالهم وصيانة أعراضهم وأبدانهم. ورد في حاشية ابن عابدين ان الذمي في دار الاسلام يكون ضعيف الشوكة، وظلم القوي للضعيف اشد دائما واعظم جرما وكتب عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- الى أبي عبيدة بن الجراح ان امنع المسلمين من ظلمهم والاضرار بهم واكل اموالهم الا بحلها، فمن سرق مال ذمي اقيم عليه الحد ومن غصبه عزر. ومن اخذ دينا من ذمي وجب عليه ان يقضي دينه. واحترم الاسلام ما يعدونه مالا-حسب دينهم- وان لم يكن مالا في نظر المسلمين كالخمر والخنزير فمن اتلفهما على الذمي غرم قيمتهما.
  3. حرية الاعتقاد: حمى الاسلام حرية الاعتقاد قال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ) (البقرة: 256).

وقوله تعالى: ((جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)) (يونس:99).

وكانت الشريعة الاسلامية عملية حين قررت حرية العقيدة فلم تكتف باعلان هذه الحرية وانما اتخذت لحمايتها طريقين:

  • الزام الناس ان يحترموا حق الغير في اعتقاد ما يشاء وفي تركه يعمل طبقا لعقيدته فليس لاحد ان يكره اخر على اعتناق عقيدة ما او ترك اخرى. ومن كان يعرض اخر في اعتقاده فعليه ان يقنعه بالحسنى ويبين له وجه الخطأ فيما يعتقد. ويقول تعالى: ((فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22))) الغاشية، وقوله : ((مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ)) (المائدة:99).
  • الزام صاحب العقيدة نفسه أن يعمل على حماية عقيدته ولايقف موقفا سلبيا فاذا عجز عن حماية نفسه تحتم عليه ان يهاجر من هذه البلدة التي لاتحترم فيها عقيدته الى بلد آخر يحترم أهل العقيدة.

ثم يقول: وقد بلغت الشريعة الاسلامية غاية السمو حينما قررت حرية العقيدة للناس عامة مسلميه وغير مسلميه وحينما تكفلت بحماية هذه الحرية لغير المسلمين في بلاد الاسلام.

  1. حرية الحوار: لقد أباح الله – تعالى- حرية القول وجعله لكل انسان، يقول الحق سبحانه: ((ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) (النحل: 125).

ويخاطب أهل الاديان الاخرى ويقول: ((قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)) (النمل:64) .

وكان الخلفاء يعقدون المجالس للحوار والمناظرة في شتى العلوم، والمعارف فيجتمع في مجالسهم العلماء من شتى الطوائف. كل يدلي بحجته ويبين رأيه في حرية وامن واطمئنان من غير حجر على راي الا فيما يمس الاخلاق والاداب العامة. ويقول علاء الدين شلبي(الالماني المسلم): لقد وجدت الاسلام خلاصة التطور في معنى الدين اساسه التوحيد وعمارة العقائد يطلق في سبيلها العقل والفكر ويدعو الى الايمان بالملائكة والرسل والكتب السماوية المنزلة. مشيدا بفضل الرسل كهداة مختارين من رب العالمين.

ويقول تعالى: ((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) (الحجرات: 13).

ولقد شعرت بخجل كبير وانا من الجنس الابيض الذي سود صحائف البشرية بظلمه وطغيانه وكفره اذ خرج من تعاليمه وفرق بين الاجناس والالوان وارتكب في سبيل ذلك ما لوث الانسانية.

  1. حق العمل والكسب: لأهل الذمة حق كامل في السعي، والعمل، والكسب بكل الوسائل المشروعة شأنهم في ذلك شان المسلمين في مزاولة كافة الانشطة الاقتصادية المسموح بها للمسلمين ويتمتع اهل الذمة بتمام حريتهم في مزاولة تلك الأنشطة.

وقال المستشرق (آدم ميتز) : لم يكن التشريع الاسلامي يغلق دون أهل الذمة أي باب من أبواب الاعمال وكانت قدمهم راسخة في الصنائع التي تدر الارباح الوافرة فكانوا صيارفة وتجارا وأصحاب أعمال وأطيان، ويقول ايضا: من الأمور التي تعجب لها كثرة عدد العمال(كبار الموظفين) والمتصرفين غير المسلمين في الدولة الاسلامية.

وجاء في كتاب ((الاسلام واهل الذمة)):

اشتهر من بين أهل الذمة في العصر العباسي كثير من العظماء مثل(جرجس بن بختيشوع) طبيب الخليفة العباسي ابي جعفر المنصور. وقد وثق الخليفة فيه واكرمه ومن هؤلاء جبرائيل بن بختيشوع طبيب هارون الرشيد.

وكان أهل الذمة احيانا يتولون أرفع المناصب في الدولة وتكاثرت لديهم الأموال الطائلة علاوة على انهم يحملون جنسية الدولة المسلمة ويعيشون على أرضها وبين أهلها هذا ولا يجب ان تمس عقائدهم أو حريتهم الدينية.

على سبيل المثال لايطلب منهم اداء الصلاة، ولا دفع الزكاة، ولا الحج، ولا الجهاد وكل العبادات ذات الصيغة الدينية.

اما في غير ذلك فلا بد من النزول على حكم الشريعة الاسلامية كالمسلمين تماما عملا بالمبدأ القائل (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) على سبيل المثال من سرق يقام عليه حد السرقة كما يقام على المسلم ومن زنى او اخذ مالا بغير حق او ارتكب جريمة من الجرائم يعاقب عليها وهذا غاية العدل والمساواة.

ويقول (الانبا غريغوريوس) اسقف البحث العلمي والدراسات العليا اللاهوتية بالكنيسة القبطية وممثل الاقباط الارثوذكس: اننا كمسيحيين لانعارض في تطبيق حدود الشريعة الاسلامية في مصر اذا كانت هذه رغبة اخواننا المسلمين. وقال لقد لقيت الاقليات غير المسلمة والمسيحيون بالذات في ظل الحكم الاسلامي الذي كانت تتجلى فيه روح الاسلام السمحة كل حرية وسلام وأمن في دينها، ومالها، وعرضها.

وقد ذكر بعض المفكرين في أوربا وغيرها بفضل الاسلام واشادتهم بهذه الرسالة وبما لها على الانسانية من اياد بيضاء خالية من العصبية وينظر الى هذا الدين بعد ان يزيح عن وجهه القناع المظلم فسيرى ما رآه الكثير من هؤلاء العلماء الافذاذ الذين نطقوا بالحق والصدق.

يقول الكاتب برناردشو: الاسلام دين الديمقراطية، وحرية الفكر ودين البيع والشراء وفوق ذلك فهو دين العقلاء وليس فيما اعرف من الاديان نظام اجتماعي صالح كالنظام الذي يقوم على القوانين والتعاليم الاسلامية.

كما كان المسلمون يحترمون جميع الاديان مهما ضعفت وقل عدد معتنقيها ولا يغرب عن البال ان من خصائص الدين الاسلامي السعي للسلم العالمي. وان من يمتزج بالمسلمين يتأكد من انهم يحملون قلوب بيضاء سليمة من كل حقد وضغينة وهم يسعون الى تأليف القلوب والأرواح.

ومن المعلوم ان المسلمين يتمسكون بتعاليم الدين ويطبقونها حرفيا فاذا ما قرانا القران الكريم ادركنا ما يتحلى به المسلمون من الفضائل.

ويقرر المؤرخون المنصفون من الغربيين بان الاساس الاول لانتشار الاسلام هو المعاملة الحسنة، والسماحة التي أبداها المسلمون حين اتصلوا بغيرهم من الأمم.

جاء في كتاب (المستشرقون والاسلام):

ان المعارك الاسلامية الكبيرة كانت نادرة جدا وان اكثر ما تم من الفتح الاسلامي انما كان بفضل التجارة والدعوة السلمية والاقناع الحكيم، والقدوة

الحسنة وفي الحق لو كان دخول هذه الامم في الاسلام تحت سلطان السيف لخرجوا منه منذ دخلت السيوف في اغمادها. ومنذ غفل المسلمون عن اسلحتهم انعكست آلة القوة المادية واصبحت في يد غيرهم. ولكن الاسلام كما قال هرقل عاهل الروم في عصر النبوة: متى خالطت بشاشته القلوب لايرتد احد عنه ساخطا له. او كما قال بعض المؤرخين في العصور الحديثة: اننا لانعرف حادثة واحدة ارتد فيها مسلم عن دينه ردة حقيقية. بعد ان دخل في الإسلام دخولا حقيقيا. بينما حوادث الخروج من الأديان الأخرى إلى الإسلام أكثر من أن تحصى.

 

لذا نجد ان الاسلام رفع كرامة الانسان وتوفرت بين أحضانه التسامح والعدالة في الحكم بين الناس فدعا الى المساواة والحرية والتعاون على البر والتقوى، ونهى عن الاثم والعدوان.


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه