07 / 09 / 2014

رمضان ضيف لا ُيمل

الشيخ. عمر عيسى علوان

الحمدالله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، ما غربت بلابل الأقلام في رياض الطروس ، وما بذلت في نصر سنته الأموال والنفوس .

ويعد : فلا شك أن الحديث عن رمضان حديث ذو شجون ، ويبعث على الراحة النفسية والطمأنينة في جو مشحون بالمعاني الروحية والإيمانية كيف لا ، وهو ضيف رفيع القدر والمنزلة ! قال الله تعالى : ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)) (سورة البقرة الآية :185)

وقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النيران وصفدت الشياطين ) متفق علية . فجعل الخير كله فيه ؛ في أوله ووسطه وآخره .

يقول الكسائي كما في تفسير البغوي : وسمي الشهر شهرا للشهر وأما رمضان فقد قال مجاهد : هو اسم من أسماء الله تعالى يقال شهر رمضان كما يقال شهر الله والصحيح أنه اسم للشهر سمي به من الرمضاء وهي الحجارة المحماة وهم كانوا يصومونه في الحر الشديد فكانت ترمض فيه الحجارة في الحرارة .

فرمضان سيد الشهور وأفضلها ؛ بما خصه الله تعالى به من نزول القرآن سيد المكتب وأفضلها فيه ابتداءً ، حيث نزل الروح الأمين بأول آية منه وهي : ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)) (سورة العلق الآية :5) ، في رمضان بلا خلاف ، وأنتهاء ؛ حيث نزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا ، وكان ذلك في ليلة القدر من رمضان لقوله تعالى : ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)) ( سورة القدر الآية : 19 ) ، وقوله : ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ))(سورة الدخان الآية: 3) . وهي ليلة القدر ويشهد لذلك الاحتفاء بها من قبل الملائكة في السماء والمؤمنين من الناس في الأرض كل ليلة قدر من رمضان قوله تعالى: ((تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)) (سورة القدر الآية : 5) .

ولو لم يكن لرمضان من مزية إلا هذه الفضيلة لكفت ، فكيف وفيه ما فيه من مغفرة الذنوب ، ورفع الدرجات ، ومضاعفة الحسنات ، وإقالة العثرات ، والحط من السيئات ، فهو- كما ذكرنا – شهر تفتح فيه أبواب الجنان ، وتغلق فيه أبواب النيران ، وتصفد فيه الشياطين ، فيه ليلة خير من ألف شهر ، عن أنس – رضي الله عنه – قال : دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ( إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر ، ومن حُرمها فقد حرم الخير كله ، لا يحرم خيرها إلا محروم ) رواه ابن ماجة وهو في صحيح الترغيب والترهيب برقم 1000 .

ولعل من أهم وظائف المسلم في هذا الشهر هو صيامه وقيامه ، أما صومه ففضله عظيم ، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فيما رواه مسلم : ( كل عمل ابن آدم له إلا الصيام ؛ هو لي وأنا أجزي به ، فوالذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك )

يقول الإمام المازري في المعلم بفوائد مسلم : ( وتخصيصه الصوم ها هنا بقوله : (لي ) وإن كانت أعمال البر المخلصة كلها له تعالى لأجل أن الصوم لا يمكن فيه الرياء كما يمكن في غيره من الأعمال ؛ لأنه كف وإمساك ، وحال الممسك شبعاً أو لفاقة كحال الممسك نقرباً ، وإنما القصد وما يبطنه القلب هو المؤثر في ذلك ، والصلوات والحج والزكاة أعمال بدنية ظاهرة يمكن فيها الرياء والسمعة ، فلذلك خص الصوم بما ذكره دونها ) .

وفوق هذا الفضل – بعمومه – الفضل الخاص الوارد في شهر رمضان ؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) ويقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ( شهر الصبر ، وثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر ) .

قال أبو بكر ابن الأنباري : ( الصوم يسمى صبراً ، لأنه حبس النفس عن المطاعم والمشارب ، والمناكح والشهوات ) .

ومما أمر به صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أمته في هذا الشهر بخاصة هو التحلي بحسن الخلق وبخاصة للصائمين منهم فقال : ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه).

وأما قيامه فهو سنة ، وفضله لا يقل فضيلة عن صيامه يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) .

وكان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجود ما يكون في رمضان ، وهذا الجود يشمل جميع معاني الصدقة ، وأعمال الخير ، ومنها تفطير الصائم ، قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ( من فطر صائماً كان له مثل أجره ، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً ) .

ومنها الإكثار من قراءة القرآن ومدارسته فضلا عن أداء العمرة في هذا الشهر والتي تعدل حجة كاملة فقد روى الشيخان عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنه قال : ( عمرة في رمضان تعدل حجة معي ) .

وأما الوظيفة الكاملة التي يجب على المسلم حفظها في شهر الصبر هذا ، فهي الكف عن المساوئ ، والصبر على الأذى ، وحفظ الباطن ، وأداء حق الظاهر بالالتزام بأحكام الإسلام والإتباع لسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أخيرا فان الصوم عبادة جليلة وهو سر بين العبد وريه ، وهو يشمل على معاني عظيمة وأسرار وحكم خطيرة ويبصرها ويتفكر فيها من فتح الله عليه من عباده، وهم ما بين مقل ومستكثر ؛ فمنهم من يحيط بكثير منها ، ومنهم من يدرك طرفاً منها بحسب النور الذي يقذفه الله في قلب المؤمن .

نسأله تعالى أن يمكننا من إدراك هذا الشهر والقيام بحقه علينا صياما وقياما وقراءة للقرآن وكف الأذى والظلم ، مع وجوب التراحم والتوادد والتواصل وصولا إلى الظفر ، والفوز برحمة الله تعالى بالعتق من النيران .


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه