21 / 08 / 2013

شعراء الرسول / عبد الله بن رواحة (رضي الله عنه)

الحياة مع الصحابة في سيرتهم لون من ألوان التربية الهادفة، تترك آثارها الطيبة في مستقبل القارىء لها وبخاصة إذا كان حاضرَ القلب، منعمَ النظر فيما يقرأ. وهناك من الصحابة من لمعت صورته أكثر من غيره كعبد الله بن رواحة (رضي الله عنه)، ذلك الصحابي (المتفكر عند نزول الآيات، والمتصبر عند تناول الرايات)، وقد استشهد بالبلقاء، زاهداً في البقاء، راغباً في اللقاء. وما أحوج جيلنا المعاصر إلى التأمّل بسيرة ابن رواحة وبغيره من الصحابة؛ ليعرف السعادة الحقيقية كيف تكون.

نحن الآن أمام سيرة شاعر وقائد وكاتب للوحي، أنهى حياته بالشهادة في سبيل الله. وسيرته هذه أُنموذج من نماذج الصحابة الذين مات النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو عنهم راضٍ.

اسمه ونسبه وأسرته:

هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرىء القيس الأكبر الخزرجي الأنصاري، يكُنى بأبي محمد أو بأبي رواحة، ولعلّه يُكنّى بهما جميعا، وليس له عقب، وهو خال الصحابي النعمان بن بشير. نشأ في أسرة كريمة، ونسبه من أشرف أنساب الخزرج، عُرف بالقيادة والريادة والفروسية والتضحية ، وانتقلت مكارم الأجداد إلى الأحفاد، فكان ابن رواحة من تلك الدوحة السامقة، له المكانة المرموقة في قومه في الجاهلية والإسلام، فتعلم القراءة والكتابة منذ صغره في مجتمع قلّ فيه من يقرأ ويكتب، وكانت له موهبة في قول الشعر منذ صغره.

إسلامه:

ترك سفير رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مصعب بن عمير أثرا كبيرا في المدينة، وكان ابن رواحة ثمرة من ثمراته. وهو واحد من اثنين وسبعين ممن بايعوا النبي (صلى الله عليه وسلم) بيعة العقبة، وطلب النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يخرجوا من بينهم اثني عشر نقيبا، فكان عبد الله أحدهم، ورجع القوم الى المدينة ينشرون دين الله فيها، ويمهدون لهجرة النبي (صلى الله عليه وسلم) إليها.

المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:

بعد أن هاجر النبي (صلى الله عليه وسلم) من مكة الى المدينة هجرته الميمونة المباركة آخى بين المهاجرين والأنصار، وكان عبد الله بن رواحة ممن شملته هذه المؤاخاة، فآخى النبي بينه وبين المقداد بن عمرو.

ابن رواحة من كتاب الوحي:

كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يثق بعدالة كل واحد من صحابته؛ لأنّ آيات القرآن نزلت تترى في الثناء عليهم، وعلم صلوات الله وسلامه عليه معدن الصحابة وما كانوا عليه من إخلاص لله ولرسوله وجهاد في سبيل الله لنشر دين الله؛ فأثنى عليهم أيضاً. لذلك قرر العلماء أنّ صحابة النبي (رضي الله عنهم) عدول كلهم. والمراد بعدالتهم: صدقهم في كل ما يروون عنه (صلى الله عليه وسلم) من غير بحث في أسباب تلك العدالة؛ لأنّ الله تعالى هو الذي زكاهم، وجاءت التزكية أيضا من رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وكتّاب الوحي هم من الصحابة، ومن كتّاب الوحي هؤلاء: عبد الله بن رواحة (رضي الله عنه).

ونقرأ سيرة هذا الصحابي الجليل، فنراه منذ صغره قد تعلم القراءة والكتابة في مجتمع لم يكن فيه من يحسن ذلك إلا قليل. فلمّا هاجر النبي (صلى الله عليه وسلم) الى المدينة، كان ابن رواحة ممن يكتب له الوحي، ومعه عدد من الكتّاب من أجلاء الصحابة بلغوا ستة وعشرين كاتبا من المهاجرين والأنصار، وهناك من أوصلهم إلى اربعين كاتباً.

ابن رواحة وتشريع الجهاد:

لما شرع الله الجهاد في السنة الثانية للهجرة، كان ابن رواحة أوّل الخارجين له وآخر القادمين منه. وقد اشترك في غزوات النبي (صلى الله عليه وسلم)، فشهد بدرا وأُحدا والحديبية، وخيبر وعمرة القضاء، ولم يشهد فتح مكة وما جاء بعده؛ لأنّه كان قد استشهد في غزوة مؤتة.

في غزوة بدر

علم النبي (صلى الله عليه وسلم) بقافلة عائدة من الشام إلى مكة يقودها أبو سفيان، فندب المسلمين للخروج لها؛ لعلّ الله يجعلها نافلة لهم.! فعل النبي صلوات الله وسلامه عليه هذا؛ لعل قريشا تعقد مع النبي عقدا توادعه فيه : فلا تضطهد من يريد الدخول في الإسلام، مقابل أن يؤمّن النبي (صلى الله عليه وسلم) طريق قريش الى الشام ذهابا وإيابا؛ لأنّ تجارة قريش كانت الدم الذي يجري في عروقها، فخرج مَنْ خرج من المسلمين مع النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) لأخذ عير قريش، لكن الله سبحانه أراد أن يحقق للمسلمين ما هو أفضل بكثير من القافلة: أراد أن يعزّ دينه ويرفع كلمته؛ فنجت القافلة، ولكن وقع القتال بين جبهة الإيمان وجبهة الكفر والشرك.

وتتقدم كتائب الكفر والشرك بطغيانها وجبروتها وهي تفوق المسلمين عددا وعدة، وتأبى إلا أن تنازل المسلمين بمعركة حامية الوطيس. وهنا يتجه النبي (صلى الله عليه وسلم) بكليته الى الله، داعيا منه_ وحده_ أن ينصر عباده المؤمنين، فكان كثير التضرّع إلى الله والدعاء منه أن ينصر المسلمين ويخذل الكافرين. وينظر عبد الله بن رواحة (رضي الله عنه) الى كثرة مناشدة النبي ربَّه بالنصر فيخاطبه قائلا: (يا رسول الله، إنّي أُشير عليك_ ورسول الله أعظم وأعلم بالله من أن يُشار عليه_ إنّ الله أجل وأعظم من أن ينشد وعده، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “يا ابن رواحة، ألا أنشد الله وعده؟ إنّ الله لا يخلف الميعاد”).

وكان القتال في الجاهلية وصدر الاسلام كثيرا ما يبدأ بالمبارزة. ولمّا تقابل الجمعان طلب عتبة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة إلى المبارزة، فخرج ثلاثة من الأنصار هم : عوف ومعوّذ ابنا الحارث، وعبد الله بن رواحة. وحين علموا أنّ هؤلاء من الأنصار، طلبوا من النبي أن يُخرج لهم أكفاءهم من قومهم؛ فأخرج النبي (صلى الله عليه وسلم) لهم عمّه حمزة بن عبد المطلب، وعبيدة بن الحارث، وعلي بن أبي طالب، والتقى الجمعان، ووقع القتال، وانتصر المسلمون ذلك الانتصار الباهر. والذي نريد ذكره هنا: هو شجاعة عبد الله بن رواحة، فقد خرج ليبارز أئمة الكفر والشرك والضلال من أهل مكة… ولمّا انتهت المعركة لعباده المؤمنين، ارسل النبي (صلى الله عليه وسلم) عبد الله بن رواحة و زيد بن حارثة إلى المدينة يبشران أهلها بنصر الله المبين.


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه