14 / 08 / 2014

ضوابط القروض في الشريعة الإسلامية

د. اسماعيل عبد الوهاب يعقوب

قال – تعالى -: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) (سورة المائدة الآية :2).

وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ((من نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر؛ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه)) (رواه مسلم)

جاء الإسلام بشريعته السمحاء داعياً الناس إلى الخير والتعاون في كل الأوقات. والقروض من صور المعاملات التي تناولها الإسلام ووضع لها من المبادئ ما يكفل حمايتها وصيانتها .

ما هو القرض؟

القرض هو دفع المال على وجه القربة لله – تعالى – ؛ لينتفع به آخذه ثم يرد له مثله أو عينه ، ويمكن أن يتم القرض على مستويين :

أولاً: على مستوى الأفراد

حض الإسلام على التعاون بين الأفراد، ومن صور هذا التعاون القروض، لما فيها من النفع للمقترض وقضاء حاجته وتفريج كربته .

ووضع الإسلام عدداً من الضوابط التي تحكم هذا التعامل، ومنها :

–        ضوابط في جانب المقرض، وهي :

الإقراض مندوب إليه إذا كان المقترض مضطراً للمال .

إن علم المقرض أو غلب على ظنه أن المقترض ينفق ذلك القرض في معصية أو مكروه كان الإقراض حراماً أو مكروهاً على حسب الحال .

لو اقترض تاجر لا لحاجة، بل ليزيد في تجارته طمعًا في الربح الذي يحصل من ذلك كان إقراضه مباحًا

ضوابط في جانب المقترض، وهي :

الاقتراض مباح له، وذلك إذا علم في نفسه الوفاء بأن كان له مال مرتجى، وعزم على الوفاء بالقرض منه، وإذا كان الأمر غير ذلك فلا يجوز له الاقتراض، ويعد نوعاً من الغش؛ لأنه أخفى حاله عن مقرضه ما لم يكن مضطراً أو كان المقرض عالماً بعدم قدرته على الوفاء وقام بإقراضه. ومن الأحاديث التي وردت في هذا الجانب

قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ((من أخذ أموال الناس يريد إتلافها؛ أتلفه الله)) ( رواه البخاري) .

وقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ((من أدان ديناً وهو ينوي أن يؤديه فمات، أداه الله عنه يوم القيامة، ومن استدان ديناً وهو ينوي ألا يؤديه فمات، قال الله – عز وجل- له يوم القيامة : ظننت أني لا آخذ لعبدي بحقه! فيؤخذ من حسناته فتجعل في حسنات الآخر، فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات الآخر فتجعل عليه)) (الطبراني) .

لكل دولة ميزانية لها جانبان: الإيرادات، والمصروفات، فإذا حدث عجز في الميزانية أي أصبحت المصروفات أكبر من الإيرادات تلجأ الدولة إلى العديد من الموارد التي لا تضرُّ بالاقتصاد العام، ومن هذه الوسائل الاقتراض من الخارج مع التعهد بسدادها، وما يترتب عليها من فوائد على وفق شروط محددة .

وهناك عدة حالات تفرض على الدولة الاقتراض من الخارج رغم ما قد يترتب على ذلك من أخطار وأضرار، وهي :

تغطية نفقات غير عادية كما في حالة الحروب ، أو الكوارث ، أو الأوبئة .

تنفيذ المشروعات الإنتاجية الكبيرة مثل التعجيل بالتصنيع، وإدخال الصناعات الثقيلة دفعة واحدة، ولكن إيراداتها في سنة واحدة لا تتحمل القيام بها .

عند قيام الدولة بالتنمية الشاملة، ولكنها لا تجد من الجمهور الإدراك الكافي لتوجيه مدخراته واستخدامها في نواحي غير مفيدة اقتصاديا بالنسبة للمجموع .

فترات عدم تحقق إيرادات الدولة واكتمالها ، وهي الفترات التي تسبق مواعيد تنفيذ المشروعات لإعادة توزيع مدخرات الجمهور على نواحي الاقتصاد المختلفة .

ويتم التمييز بين القروض على أساس عدة معايير :

أولاً: مصدر القروض

داخلية: أي من الهيئات ، والمؤسسات ، والبنوك التي تعمل داخل الدولة وفي نطاقها، وتكون بعملة الدولة، وأحيانًا تكون بعملات أجنبية .

خارجية: أي المؤسسات ، أو الهيئات ، أو البنوك التي توجد خارج الدولة وداخل دول أخرى، أو تتبع منظمات دولية، وهذه تكون بعملة أجنبية .

ومن مؤسسات الإقراض العام الخارجي البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وصندوق النقد الدولي، والهيئة الدولية للتنمية .

وهذه المؤسسات تسيطر عليها الآن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية؛ نظرًا لما لهذه الدول من حصص كبيرة من رأس مال هذه المؤسسات، فيوجه سياستها الاقتصادية الدول المسيطرة عليها ، لكن إذا كانت أنواع القروض العامة عديدة ، فإنها خطيرة إذا تم توجيهها لسد حاجات وقتية استهلاكية أو ترفيهية فتكون القروض وبالاً على الأجيال القادمة ، أما إذا كان الاقتراض ؛ لتأسيس البنية الأساسية والابتعاد عن الإنفاق الاستهلاكي ، فهنا يكون للقروض آثار إيجابية تنفع الدولة لأزمان بعيدة .

عندما يكون الدين داخلياً، فإن الأفراد يفقدون الثقة في سيادة الدولة فيتهربون من معظم التزاماتهم تجاه دولتهم – وعندما يكون الدين خارجياً ، فإن عدم وفاء الدولة بالتزاماتها يؤدي إلى العديد من الأخطار منها التبعية الاقتصادية والسياسية وأخطر صورها السيطرة العسكرية .

أباح الإسلام القروض على مستوى العلاقات الاجتماعية بل حض عليها، وعدد مزاياها مقارنة بالصدقة التطوعية ، عن أنس بن مالك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((قرض الشيء خير من صدقته)) (البيهقي) .

عن أنس بن مالك – أيضاً – أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبًا: الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر. فقلت: يا جبريل، ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل وعنده ، والمستقرض لا يستقرض إلاّ من حاجة)) (ابن ماجه) .

حدد الإسلام مجموعة من الضوابط عن القروض العامة منها

تجنب الأمور الربوية كالفائدة المحددة وأمثالها، فقد حرم الإسلام الربا، القليل منه والكثير، وما كان منه بين الأفراد أو بين الدول، قال – تعالى – : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)) (سورة البقرة الاآية : 279).


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه