28 / 04 / 2013

عزوف الشباب عن المساجد ..ظاهرة حديثة تنذر بمخاطر كبيرة...

عزوف الشباب عن المساجد ..ظاهرة حديثة تنذر بمخاطر كبيرة

25 % من الشباب بدؤوا يعودون إلى المساجد بعد ان تركوه .

تحقيق : غزوان ستار

على الرغم من انتشار المساجد والجوامع في عموم محافظات البلاد والتي يبلغ عددها في احصائية رسمية ما يقاربمن (10,000) مسجد ،لكن بملاحظة سريعة نستطيع أن نؤشر ضعف وجود الشباب فيها ، وهي ظاهرة بدأت بالاطراد التدريجي ما بعد الاحتلال الامريكي .

       وقد حددت الأوساط الدينية والاجتماعية العديد من الأسباب التي دعت الى تفشي هذه الظاهرة ، يقف في مقدمتها الوضع الأمني المتردي الذي تشهده البلاد فضلاً عن انتشار التكنولوجيا الحديثة من انترنت وموبايل وغيرها التي كانت أشبه بوسائل إغراءٍ  ولهوٍ أكثر من كونها وسائل اتصالات مفيدة  وعصرية.

فضل صلاة المسجد

مدير مركز البحوث والدراسات الاسلامية الدكتور يوسف نجم تحدث عن فضل صلاة الجماعة في المسجد وعلوِّ منزلتها ، فهي تزيد كما ورد في روايات عدة عن صلاة الفرد بسبعٍ وعشرين مرة من ناحية ( المنزلة – الدرجة – الأجر ) ، كما أن هناك روايات اخرى تذكر بأنها تزيد بخمسٍ وعشرين مرة ، وفي هذا الجانب فهناك الكثير من الآيات القرآنية التي تحدثت عن الصلاة بصيغة الجماعة ، إذ قال الله في كتابه العزيز : (( يقيمون الصلاة )) (( أقاموا الصلاة )) وهذه إشارة واضحة الى اهمية الصلاة مع الجمع ، فضلاً عن الأحاديث النبوية التي تحض على الذهاب إلى المسجد ، ففي حديثٍ للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) قال فيه : (( من تطهر في بيته ثم اتى الى المسجد ، فكأن له في كل خطوة حسنة ، وفي كل خطوة تكفير سيئة ويرفع بها درجة )) . وفي حديث آخر أيضا يقول الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) : (( من صلى الفجر في جماعة فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الفجر والعصر في جماعة بنى الله له قصراً في الجنة )) .

وأضاف الدكتور يوسف أن الصلاة في المسجد لها مكاسب اجتماعية كبيرة كذلك منزلتها العالية عند الله ، فهي تعمل على تحقيق التماسك والمحبة والتوادد والتعاون وزيادة أواصر الاخوّة والتآلف في قلوب المصلين والتعرف على أفراحهم وأحزانهم وتبادل الزيارات العائلية .

حملة إرشادية واسعة

مدير قسم الإرشاد الإسلامي الشيخ محمود الفلاحي ذكر أن ظاهرة عزوف الشباب عن ارتياد المساجد تعد حالة طارئة في مجتمعنا ، ويرجّح السبب في ذلك بحسب قوله الى تقلب الأحداث والصراعات بكل أنواعها وأشكالها .

وكشف الفلاحي أن قسم الإرشاد الإسلامي وبالتعاون مع جميع أئمة وخطباء المساجد قد أعد حملةً إرشادية واسعةً تهدف إلى حضّ الشباب على التوجه الى المساجد وعدم تركها ، مشيراً بأن تلك الحملة تتضمن إعداد برامج ثقافية وعلمية وطبع مجلات ومطويات ومحاضرات ومسابقات تتصدى لهذه الظاهرة ، فمن الواجب علينا رعاية الشباب والاهتمام بهم وتربيتهم تربية صالحة كما أوصانا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذ قال : (( استوصوا بالشباب خيراً)) .

بين الترغيب والترهيب

إمام مسجد الهدى الشيخ ( صلاح مهدي ) كشف أن هذه الظاهرة مشخّصة وهي في تزايد ، ويرجع السبب في ذلك إلى قلة الاهتمام بالشباب من النواحي كافة ، وكذلك تقصير العائلة في جانب التربية الايمانية وحضهم للذهاب الى المساجد ، والانفتاح الحاصل وسيطرة وسائل اللهو على عقول الشباب مما تؤثر عليهم وتمنعهم من التواصل مع الجوامع .

ويضيف الشيخ مهدي بأننا إذا أردنا التوصل الى حل للقضاء على هذه الظاهرة ، لابد لنا من استخدام اسلوب مختلط بين الترغيب والترهيب ، واستشهد خلال حديثه بالآيات القرآنية التي تذكر هذا الاسلوب، فقد ذكر القرآن الكريم الجنة ونعيمها ، وهو اسلوب ترغيبي ويذكر في اية اخرى النار وجحيمها وهو اسلوب ترهيبي ، وأيضا في الاحاديث النبوية للرسول المصطفى (صلى الله عليه وسلم) . وعلى سبيل المثال في موضوع الصيام واستخدامه لهذا الاسلوب إذ قال الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم): ((من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر لم يقضه صيام دهر وإن صامه ) وهو اسلوب ترهيبي ، كما ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) في نفس الموضوع في حديث له : (( من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بينه وبين النار كما باعد بين السماء والارض )) . لذلك نحن كوننا أئمة وخطباء مطالبون باستعمال اسلوب ترغيبي وترهيبي كما وصانا به القرآن الكريم والسنة النبوية .

الابتعاد عن أصدقاء السوء

اما الشيخ (احمد عبد الكريم) إمام مسجد (برهان الدين) في منطقة حي الجامعة فيرى أن أهم الأسباب التي تدعو الشاب الى العزوف عن المساجد هي نوعية الاصدقاء الذين يختلط بهم ، فاذا كانوا أصدقاءً جيدين وملتزمين دينياً ، سترى بأن الشاب يذهب معهم بانتظام الى المسجد لقضاء صلاة الجماعة ، أما إذا كان قد اختلط بأصدقاء سيئين لا صلة لهم بالمسجد ولا يعرفون اهمية نداء الله -عزل وجل- وقيمة حي على الصلاة وحي على الفلاح ، فسوف يقضي معظم وقته معهم باللهو مما يؤدي الى ترك صلاة الجماعة وبعضهم يترك الصلاة نهائياً ؛ لذلك فإن الله -عز وجل- يقول في كتابه : ﭽ ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ   ﭹ    ﭼ التوبة: ١١٩ . ويقول علماء الدين في هذا الجانب : (( الصاحب ساحب والمُجالس مجانس )) فالأصدقاء لهم الأثر الكبير في التزام الشاب من عدمه .

       الشيخ أخبرنا بأن هذه الظاهرة بدأت تنتشر بشكل كبير في مسجده ، ولكن باستخدامه اسلوب ترغيبي وترهيبي في بيان قيمة صلاة الجماعة في المسجد وفضل بيوت الله وفضل أداء فريضة واحدة من فرائض الله – عزّ وجل – ، وكذلك في الجانب الآخر توضيح عقوبة تارك صلاة الجماعة ، فإن المؤشرات بدت طيبة والنتائج مثمرة وملموسة فهناك نسبة كبيرة من الشباب  تتجاوز الـ 25 % بدؤوا يعودون الى المسجد بعد أن تركوه .

تعويض الماضي

اخبرنا  المواطن أبو أحمد وهو متزوج وله ثلاثة أولاد على الرغم من انه عاش طفولة ملتزمة من ناحية الدين والعبادة لكنها بعيدة عن المسجد والشيوخ وعلماء الدين ، وأشار ان ذلك كان سبباً لضياع الكثير من سنين عمره بعيداً عن التوجيه والتصويب الدقيق للعديد من الأمور ، ولم يدرك ذلك إلاّ من مدة قريبة حيث أقبل بقوة على المسجد وتعرف على المشايخ وعلماء الدين واساتذة العلم فكانت توجيهاتهم الصائبة وملاحظاتهم الدقيقة لها الأثر الكبير في تغيير الكثير من نظرته لأمور الدين .

وأضاف : إنني حرصت على عدم إعادة الماضي الذي كنت فيه , فأنا اصطحب أولادي الى المسجد ؛ لأغرس فيهم حب بيوت الله والتعرف على المشايخ والسلوكيات الجيدة والأخلاق الحميدة بعيداً عن سلوكيات الشارع السيئة وشاشة التلفاز التي تشوّه عقولهم ونفوسهم, وكذلك من أجل رفد المساجد بدماء جديدة تديم ذكر الله .

 انتحال صفة الايمان

الباحثة الاجتماعية الدكتورة (شيماء عبد العزيز) بينت أن السبب الرئيس وراء تفشي هذه الظاهرة يعود الى الادعاء الكاذب من قبل بعض رجال الدين الذين ينتحلون صفة الايمان وكانت سلوكياتهم خاطئة من خلال ارشاداتهم ووعظهم وهي مجرد أقوال وليس افعال , وبالتالي جعلت من الشاب يفقد الثقة بهم, وبسبب ذلك حرصت العوائل العراقية على عدم حث اولادها من التوجه الى المسجد حتى لا يختلطوا مع هؤلاء الذين لا يمتون للين بصلة وبالتالي يكتسبون صفاتهم من زاد هذا الأمر من انتشار هذه الظاهرة .

وفي سؤالنا عن الخطوات التي لابد ان تتخذ لحضّ الشباب على التوجه الى المساجد ، أجابت الدكتورة بأنه من الضروري أن يتم دراسة المناهج التدريسية وفق مستوى الطالب وطاقة استيعابه ، فهذه المادة ليست للدراسة فقط ، وانما يحتاجها الشاب لكي يطبقها في مراحل حياته ، وأيضا ضرورة تعزيز الترابط الأسري وأن يأخذ الأب دور القدوة في توجيه ابنائه نحو الصلاة في المسجد وخصوصا المراهقين منهم, فكثير من أولياء الامور يغيب لمدة طويلة عن المنزل بسبب انشغاله بالعمل مما يسبب ضعف الترابط الاسري وغياب القدوة المثلى وهو الأب.

الشعور بالأمن والطمأنينة

عمار يوسف موظف ويبلغ من العمر 29 عاماً يذكر بأنه يحرص دائما على الذهاب الى المسجد لأداء فريضة الصلاة وذلك لما لها من أجر كبير عن قضائها في المنزل ، ويضيف عمار أنه بمجرد دخوله الى المسجد ينبعث في نفسه شعور بالأمن والأمان والطمأنينة وتنجلي عنه همومه ومشاكله التي يعانيها كل شاب خصوصا وانت على يقين بأنك تقف بين يدي الله -عز وجل- .

أما ابو تبارك فهو يوافق عمار الرأي حيث يقول بأنه يذهب باستمرار الى الصلاة في المسجد ؛ وذلك تلبية لنداء الله وكسب رضاه والخوف من غضبه والثبات على الايمان والعمل بقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (( وبشر المشائين في الظلمات بالنور التام يوم القيامة )) .

ويضيف ابو تبارك بأن الشباب اليوم تركوا الصلاة واقتصروا على ادائها في المنزل وهذا غير صحيح خصوصا وان الصلاة في المسجد تعدل صلاة الفرد بسبعٍ وعشرين  مرة من المنزل ، وأن كل خطوة تخطوها عند توجهك الى المسجد تعادل حسنة ، وكل حسنة بعشر أمثالها فبالتالي ذهابك الى المسجد يكسبك أجراً كبيراً وحسنات كثيرة تمحو من خلالها السيئات .

الشباب ودواعي العزوف

توجهنا بالسؤال للشباب الذين تركوا الصلاة في المساجد ، والبداية كانت مع الشاب لؤي مهدي وهو متزوج وأب لولدين ، قال بأنه ترك الصلاة في المسجد لمدة طويلة ، وذلك بسبب تردي الأوضاع الأمنية في البلاد والذي تسبب في اعتقال الكثير من الشباب ومن بينهم اصدقائه بسبب ذهابهم الى المسجد . وكان هذا سبب رئيس لي ولكثير من أمثالي الى عدم التوجه إلى المسجد بل ادائها في المنزل .

أما بكر عصام يبلغ من العمر 17 سنة إذ يقول بأنه كان ملتزماً دينياً ويحرص دائماً على الذهاب الى الجامع ، ولكنه حديثاً ترك الصلاة بسبب تعرفه على اصدقاء غير ملتزمين دينياً ، مما جعله يقضي معظم الوقت معهم في الذهاب الى المتنزهات أو المقاهي وبالتالي ترك الصلاة ، فضلا عن أن الانترنت بدا الشغل الشاغل في حياته  سواء في التواصل مع اصدقائه  عبر (الايميل) ومواقع التواصل الاجتماعي ( كالفيس بوك وتويتر ) أو في غرف الدردشة . ويرى أن الانترنت بات السبب الرئيس الذي يقضي الشباب معظم الوقت فيه دون التواصل مع المسجد والذهاب الى الصلاة فيه .

مجتمعنا بين النعيم والجحيم

ختاماً كان لابد من ذكر الآثار الايجابية المترتبة من التزام شبابنا دينيا بتوجههم  الى المساجد وأيضا الآثار السلبية في عزوفهم عنها، فالدكتور يوسف نجم مدير مركز البحوث والدراسات الاسلامية ذكر أنه عندما يزداد الشاب ايمانا ورسوخا عند ذهابه الى المسجد ، ستقل بذلك السلوكيات السيئة كما انهم سوف يبتعدون عن الأعمال المحرمة شرعا وستكون هناك صيانة للأعراض من التحرش والحفاظ على الممتلكات من السرقة ؛ لان الشاب في ذلك يكون مهذبا ويخاف الله – تعالى – ويعرف ان الاعتداء والتحرش محرم شرعاً وبالتالي يأمن صاحب الأسرة على بناته وعائلته عند ذهابهم  الى المدرسة او الجامعة او الوظيفة او اي مكان اخر  .

من جانبها ذكرت الباحثة الاجتماعية الدكتورة شيماء عبد العزيز بأن الفجوة اذا كبرت بين الشاب والمسجد فسوف تسود في مجتمعنا قيم وأخلاق وسلوكيات ومبادئ سيئة مثل الكلام الغير اللائق ونوعية الملبس وتسريحة الشعر ، وكذلك ازدياد نسب التحرش الجنسي والعنف والقتل والاغتصاب  .


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه