13 / 12 / 2017

قدسية الكعبة

هل يصح أن يقال بأن إحدى زوجات نبي الله إبراهيم u قد دفنت داخل الكعبة المشرفة؟ وإذا كان ذلك صوابا فأين قدسية الكعبة المشرفة؟ وهل يعقل أن ركوعنا وسجودنا يكون لزوجة نبي الله إبراهيم؟ وهل يعني هذا بأن الكعبة قد تحولت إلى مقبرة؟

الكعبة تقدس لأنها بيت الله الذي أمر إبراهيم وإسماعيل ببنائه فرفعاه {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} البقرة127 فنحن نقدس هذا الحرم لأمر الله بتقديسه وليس لأي سبب آخر كما قال تعالى {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} الحج32.

ومن فقه عُمَرَ (رضي الله عنه) أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الحَجَرِ الأَسْوَدِ في حجه فَقَبَّلَهُ، ثم قَالَ (إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ (صلى الله عليه و سلم) يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ)([1]) فهو لا يضر ولا ينفع بذاته؛ بل نفعه بالثواب الذي يحصل بامتثال أمر الله ومتابعة الرسول r، فالمقدس يقدس بتقديس الله، وقال عمر (رضي الله عنه) ما قال لأنه خشي من ظن بعض الناس أن استلام الحجر مثل ما كانت تفعل العرب في الجاهلية؛ فأراد أن يعلم الناس أن استلام الحجر ليس بقصد التعظيم له بل تعظيمًا لأمر الله وسنة رسوله (صلى الله عليه و سلم).

وأما هاجر أم إسماعيل فإنها ماتت قبل بناء الكعبة ورفع البيت([2]) كما ورد الصحيح، ولم تتحدث المصادر الموثوقة أين دفنت، فإن كانت دفنت بهذا المكان فهذا قبل بناء الكعبة، وربما هذا من تكريم الله لها, وقد ورد في بعض كتب التأريخ (أَنَّ إِسْمَاعِيلَ لَمَّا تُوُفِّيَ دُفِنَ مَعَ أُمِّهِ فِي الْحِجْرِ. وَزَعَمُوا أَنَّ فِيهِ دُفِنَتْ حِينَ مَاتَتْ)([3]) وكتب التأريخ ليست ككتب الحديث؛ يتساهل في إيراد الأخبار فيها مالا يتساهل في كتب الحديث.

وورد الخبر بصيغة “زعموا” وقد صح عن رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه و سلم) أنه قال )بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا(([4]) فبمثل هذا الزعم لا يثبت خبر، ونفيه أيضًا صعب لأننا لا نملك ما ينفي هذا الخبر، والرواية بالسند عن تلك المرحلة غير متيسرة، وعدم إخبار النبي (صلى الله عليه و سلم) بذلك ليس لعدم الصحة؛ فربما يكون لعدم الحاجة لعدم ترتب عمل عليه، بل نملك أن نقول: نحن نقدس الكعبة لأنها البيت الأول للعبادة الحقة الذي وضعه الله للناس، وليس لأي سبب آخر.

ولو كانت أم إسماعيل دفنت في الكعبة فهذا لا يعني أن طوافنا وركوعنا وسجودنا لها، ولا يعني أن الكعبة مقبرة، بل هي رمز العبادة الخالصة التي لا يقصد فيها إلا الله فلم نرَ فيها قبرًا ولا وثنًا بعد أن طهرها (جل جلاله) على يد نبيه (صلى الله عليه و سلم) من رجس الأوثان يوم الفتح المبين.

([1]) رواه البخاري 2/149 باب ما ذكر في الحجر الأسود، برقم 1597، ومسلم 2/925 باب استحباب تقبيل الحجر الأسود، برقم 1270.

([2]) صحيح البخاري 4/142 كتاب أحاديث الأنبياء، حديث رقم 3364.

([3]) انظر على سبيل المثال: أخبار مكة للأزرقي 1/81.

([4]) سنن أبي داود 4/294 برقم 4972. وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير.


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه