14 / 08 / 2014

كيفية بناء مدينة بغداد

د. المهندس خالد خليل السامرائي

كان اليوم الذى شرع فيه ابو جعفرالمنصور بتشيد المدينة يوما مشهوداً حضره الأمراء ، والوزراء ، والعلماء ، والقادة ، والأعيان ، ووضع المنصور أول لبنة في الأرض وقال : بسم الله والحمد لله وان الأرض لله يورثها من يشاء والعاقبة للمتقين (أبدو على بركة الله ).فشرعوا في البناء


كلفة مدينة بغداد
اختلف المؤرخون في تقدير كلفة بناء مدينة بغداد واكثر هذه التقديرات لايخلومن المبالغة
ولعل اقربها الى التصديق ان هذه النفقات بلغت ( ثمانية عشر ألف الف درهم ) اى ثمانية عشر مليون درهم .

كان أبو جعفر المنصور قد بنى في أوائل الدولة العباسية مدينة بنواحي الكوفة وسماها الهاشمية، ووقعت (وقعة الراوندية)فيها فكره سكناها لذلك ولمجاورة أهل الكوفة، فإنه كان لا يأمنهم على نفسه، وكانوا قد أفسدوا جنده فخرج بنفسه يرتاد له موضعاً يسكنه ويبني فيه مدينة له ولعياله ولأهله ولجنده، فانحدر إلى جرجرايا وأصعد إلى الموصل، ثم أرسل جماعةً من الحكماء ذوي اللب والعقل وأمرهم بارتياد موضع، وذكر أن خالد ابن برمك هو الذي أشار على المنصور ببنائها، وأنه كان مستحثا فيها للصناع، فاختاروا له مدينته التي تسمى مدينة المنصور، وهي بالجانب الغربي، قريبة من مشهد موسى والجواد عليهما السلام، فحضر إلى هناك واعتبر المكان ليلاً ونهاراً فاستطابه وبنى به المدينة.
بنيت مدينة بغداد على شكل دائري, قطر الدائرة 2 كيلومتر قبل انتهاء البناء .
أضيفت دائرة أخرى داخل الدائرة الأصلية و بني فيها المسجد الجامع ، ومقر الحرس
الخليفي ، و قصر الخليفة المنصور ، وبنيت على الجانب الغربي المعروف الآن بالكرخ
قرب مدينة الكاظمية,استمر بناء المدينة أربع سنوات و اكتمل البناء واستوطنها الخليفة
وحاشيته عام 762 م, وأمر المنصور بنقل الدوواين من الكوفة الى مدينة السلام
وكانت بغداد تتمتع بالطرق الواسعة النظيفة التى تمتد إليها المياه من فروع نهردجلة
في قنوات مخصوصة تمتد بالطرق صيفاً وشتاءً، وكانت طرقها تكنس كل يوم،
ويحمل ترابها خارجها، وعيَّن المنصور على أبوابها جنداً يحفظون الأمن بها، فصانها
وحفظ لها نظامها ونظافتها من الداخل .
ثم في عام 767م توفي جعفر أكبر أبناء المنصور ودفنه في مقابر قريش في موضع
الحضرة الكاظمية الآن ، وتوفي كذلك في نفس العام أبي حنيفة النعمان وتم دفنه في مقبرة
الخيزران (مسجد أبي حنيفة الآن). وبعد ذلك في عام 768م بنى المنصور مدينة أخرى لابنه
المهدي على الضفة الشرقية لنهر دجلة وهى مدينة الرصافة ثم بنى (الرافقة) وكانت هاتان
المدينتان صورة من بغداد، ووضع أسس جامع الرصافة ، وقصر الرصافة .
وأمام كثرة النازحين إلى عاصمة الخلافة أجمل مدن العالم آنذاك، كان لابد أن يهتمَّ المنصور
ببناء سوق يضم أصحاب الصناعات ، والتجار ، والباعة. وفعلا بنيت (الكرخ) سنة 774م ؛
لتظل عاصمة الخلافة محتفظة بجمالها وسحرها وتألقها. وبنى المنصور (قصر الخلد) على
ضفاف نهر دجلة من الجانب الغربي في الكرخ .
وكانت الكرخ سوقاً نموذجية، فلكل تجارة سوق خاصة بها، ولم يبقَ إلاّ أن يبنى المنصور
مسجداً جامعاً يجتمعون فيه حتى لايدخلوا بغداد، فبنى للعامة جامعاً، وهو غير جامع المنصور
الذى كان يلي (قصر الخلد)
بناء بغداد الأصلية اي المدينة المنورة كان خاصا بالمنصور و حاشيته و لم يكن بناءً لمدينة
سكانية ، و لكن المنصور بنى الكرخ من أجل توسيع المدينة ؛ ولذلك بنى جامعا هناك حتى لا يدخلوابغداد, توسعت بغداد بعد ذلك و اصبحت تضم الكرخ و الرصافة جميعا و اندثرت بتقادم الأيام مدينة المنصور المدورة التي هي بغداد الاصلية .
اسباب بناء المدينة
بعد نجاح الثورة ضد الامويين كره السفاح والمنصور البقاء في الكوفة رغم دورها في الثورة
فبنوا هاشمية الكوفة ثم تركوها بعد ان حاصر الراونديين المنصور في قصر الخلافة
ونجى بأعجوبة وانتقل مؤقتا الى حران و بدأ يفكر بتخطيط مدينة تضم حاشيته وحرمه ، وتنقل لها الدواويين فاختار موقعا يتوسط ملكه عند اقرب نقطة بين دجلة و الفرات وملتقى طرق دولة الخلافة من الصين شرقا ومصر غربا والشام واقليم الجزيرة شمالا والحجاز والبصرة والكوفة جنوبا فضلاً عن موقعها العسكري المميز انذاك اذ لا يمكن الوصول اليها إلاّ عن طريق جسر او قنطرة فاذا قطعت عجز العدو عن الوصول .
بنى حول بغداد سوراً .وجعل المنصور عرض السور من أساسه خمسين ذراعاً ومن أعلاه عشرين ذراعاً، ووضع بيده أول لبنة وقال : (( بسم الله والحمد لله، الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقينً ثم قال: ابنوا)). فابتدأ بها في سنة خمس وأربعين ومائة، وأتمها في سنة ست وأربعين ومائة(145-146)، وجعلها مدورة وجعل قصره في وسطها؛ لئلا يكون أحد أقرب إليه من الآخر، وبلغ الخرج عليها أربعة آلاف ألف وثمانمئة وثلاثة وثلاثين درهماً. ولما فرغت حاسب القواد بما كان حول عليهم لعمارتها فألزمهم بالبواقي خمس .

قال يعقوب بن سفيان: كمل بناء بغداد في سنة ست وأربعين ومائة، وفي سنة سبع وخمسين نقل الاسواق إلى باب الكرخ وباب الشعير وباب المحول وأمر بتوسعة الاسواق وجعلها أربعين ألف ذراع ، وبعد شهرين من ذلك شرع في بناء قصره المسمى (بالخلد)، فكمل سنة ثمان وخمسين ومائة وجعل أمر ذلك إلى رجل يقال له الوضاح، وبنى للعامة جامعا للصلاة والجمعة.

اسباب نقل الاسواق

كان ضجيج الأسواق وأصوات الباعة تسمع من قصر الإمارة، ، فعاب ذلك بعض بطارقة النصارى ممن قدم في بعض الرسائل من الروم، فأمر المنصور بنقل الاسواق من هناك إلى موضع آخر ، وأمر بتوسعة الطرقات أربعين ذراعا في أربعين ذراعا، ومن بنى في شيء من ذلك هدم .

لماذا سميت ببغداد

يقال: بغداد، وكان هناك موضع يسمى بغداد فسميت المدينة باسمه. ويقال : بغداذ، بالذال المعجمة. ويقال: بغدان، بالنون. ويقال : الزوراء، وكان موضعها يسمى الزوراء قديماً، وقيل : لأن قبلتها غير مستقيمة يحتاج المصلي في مسجدها الجامع أن ينحرف إلى جهة اليسار قليلاً. ويقال : مدينة المنصور. ويقال : دار السلام ومن فضائلها قيل إنها مدينة مباركة مسعودة لم يمت فيها خليفة قط، فمدينة المنصور هي بغداد القديمة، وهذه بغداد التي هي بالجانب الشرقي استجدت بعد حادثة طريفه عن بناء المدينة بعد ان شرع المنصور في بناء مدينة السلام, حدث نقص في مواد البناء فاستشار المنصور
حاشيته فاشاروا عليه بنقض قصر خسرو انوشيروان في طيسفون(المدائن) المعروف الان ( بطاق
كسرى ) إلاّ خالد بن برمك(والد يحيى بن خالد البرمكي وزير الرشيد) الذي اشار على المنصور
ترك نقض و تهديمه البناء ؛ لأنه سيكلف أكثر مما ينبغي و سيكون تكلفة النقض أكثر مما تجنيه الدولة من مواد فاجاب المنصور (ابيت يا خالد) اجاب خالد (السمع و الطاعة يا أمير المؤمنين) و تم هدم جزء من الطاق و هو ظاهر الآن ومن ثم تبين للمنصور صحة كلام خالد فامر بايقاف النقض و بقي الطاق الى يومنا هذا .


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه