17 / 02 / 2015

كيفَ لا أُحبُّ الصبرَ واللهُ يحبُّ الصابرينَ

تحقيق : يوسف داخل

من ميزات الإنسانِ المؤمنِ الصبرُ وبه يقوم الإيمانُ كلُّه , إذ قد يتوهم الإنسان للوهلة الأولى بأن الصبر هو الصبر على المحن ، والشدائد ، والكرب وغيرها فان هذا الفهم يكون محدود فقد وصف الرسول الكريم صلى الله علية وسلم الصبرَ بأن الصبر هو الإيمان كله , إذا إن الصبر يحتاجه الإنسان الصحيح والمريض والقوي والضعيف ويحتاجه كل ذكر وأنثى وكل مخلوق من بني البشر لأنه مفتاح الإيمان فالمؤمن يصبر على ما أصابه من ابتلاء ، ومحن ، وشدائد ، ويصبر الإنسان كذلك على الرزق وتصبر المرأة على الحمل وكذلك على النجاح وغيرها من الأمور التي تعدُّ عادية في الحياة إلا إن الإنسان كثيرا ما يصيبه الكرب والهم والحزن , ومن منا لم يصبه شيء في هذه الأوقات العصيبة , وهي تصيبنا سواء كنا مسلمين أم غير مسلمين ,

وما لنا من حيلةٍ الا وصبرنا عليها فهو الوسيلة الوحيدة التي نمتلكها التي من خلالها يستطيع إن يتحمل الإنسان ما يصيبه وكذلك هي الصفة التي يحبها الله – عز وجل – التي أوصى بها أنبياءه حيث تعرضوا لأشد أنواع البلاء ، والمحن وكانت المناجاة إلى الله – عز وجل – خير وسيلة للتخلص من المحن وما يصيبُ الإنسان من بلاء وغيرها فالله وحده القادر على أزالة ما يصيبنا من ضر وبلاء وليعلم الناس إن البلاء هو نوع من أنواع النعم التي يزيل بها الله الخطايا ويكفر بها الذنوب قال تعالى : ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)) (سورة الشورى : 30), كما قال تعالى : ((الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)) ( سورة البقرة : 156) . فالصبر هو مفتاح الخير وإغلاق للشر ؛ لأنه من قوة إيمان العبد بربه وثقته به جل في علاه.

صبر محمود ، وصبر مكروه

والصبر ليس كله محموداً ، فهو في بعض الأحيان يكون مكروهاً. والصبر المكروه هو الصبر الذي يؤدي إلى الذل والهوان، أو يؤدي إلى التفريط في الدين أو تضييع بعض فرائضه، أما الصبر المحمود فهو الصبر على بلاء لا يقدر الإنسان على إزالته أو التخلص منه، أو بلاء ليس فيه ضرر بالشرع , أما إذا كان المسلم قادراً على دفعه أو رفعه أو كان فيه ضرر بالشرع فصبره حينئذ لا يكون مطلوباً .

قصص حول الصبر

ومن القصص التي وقعت على عهد رسول الله صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم التي فيها أجرٌ للصابر, ذات يوم مرَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على قبر، فرأى امرأة جالسة إلى جواره وهي تبكي على ولدها الذي مات، فقال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ((اتقي الله واصبري)). فقالت المرأة: إليكَ عنيِّ، فإنك لم تُصَبْ بمصيبتي فانصرف النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ولم تكن المرأة تعرفه، فقال لها الناس: إنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فأسرعت المرأة إلى بيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تعتذر إليه، وتقول: لَمْ أعرفك. فقال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى) متفق عليه .أي يجب على الإنسان أن يصبر في بداية المصيبة .
الصبر مفتاح لدخول الجنة

إن صبر المسلم على مرضه سبب في دخوله الجنة، فالسيدة أم زُفَر – رضي الله عنها- كانت مريضة بالصَّرَع، فطلبت من النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن يدعو الله لها بالشفاء. فقال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ((إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيكِ)). فاختارت أن تصبر على مرضها ولها الجنة في الآخرة. متفق عليه. ويقول تعالى في الحديث القدسي: ((إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه (عينيه) فصبر، عوضتُه منهما الجنة)) .

 

وسائل الصبر

الشيخ جواد كاظم رداد قال بخصوص وسائل تقوية الصبر ذكر ما أعده الله – سبحانه وتعالى – للصابرين من جزاء في الدنيا من الفرج وفي الآخرة من الثواب خصوصا أنَّ جزاءهم ليس له حد ولا مقدار :

  • قال تعالى ((إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)) (سورة الزمر :10) وانه سبحانه يحبهم (( وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)) (سورة آل عمران : 146) .
  • ذكر صبر الأنبياء والصالحين وكيف صبروا على الابتلاء أو البلاء منهم نبي الله أيوب – عليه السلام – وما كان ابتلاه تعالى به من الضر في جسده وماله وولده، حتى لم يبق من جسده مغرز إبرة سليماً سوى قلبه، فقال الله – سبحانه وتعالى- عن صبره ((إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )) (سورة ص:44) ومن التابعين عروة بن الزبير وكيف صبر على فقدان الولد والقدم .
  • العلم اليقين إن الله دفع عنك ما كان أعظم من هذا البلاء الواقع كما في قصة موسى والخضر عليهما السلام عندما خرق السفينة وقتل الغلام وبناء الجدار ودفعه بلاءً كان اكبر مما أوقعه.
  • من حكم البلاء رجوع العبد إلى الله فعليك بالدعاء كما قال – سبحانه وتعالى -عن يونس – عليه السلام – : ((وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88))) ( سورة الأنبياء : 87 – 88) ، فتذكر أنها ربما تكون عقوبة على معصية فأراد الله – سبحانه وتعالى – أن يطهرك منه في الدنيا ليرفع عنك عقوبتها في الآخرة عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال : ((من يرد به خيرا يصب منه)) رواه البخاري وقد وصف الله – تعالى – كثيراً من أنبيائه بالصبر، فقال تعالى: ((وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنْ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنْ الصَّالِحِينَ )) (سورة الأنبياء : 85-86) .

ختاما لابد من ذكر حقيقة بان المؤمن يجد في صبره خيراً وشفاءاً وإزالةً للهم والغم ولنأخذ بالحكمة القائلة سيصنع لك خيط الصبر ثوبا أنيقا من الأجر.


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه