29 / 01 / 2014

من بلاد الرافدين ، مرورا بالأقصى ، وانتهاءً بالمغرب العربي … عادات وتقاليد تختلف ب...

يحتفل العالم ، بذكرى المولد النبوي الشريف، تعظيما لخير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم، وتعبيرا عن محبتهم الكبيرة وتعلقهم الشديد بالرسول الكريم ، وتتنوع مظاهر إحياء هذه الذكرى بين تنظيم المناقب الدينية ، والندوات والمحاضرات التي تستحضر السيرة النبوية الشريفة وأخلاق الرسول ومكارمه لتذكير الكبار وتعليم الصغار.

وتختلف مظاهر الاحتفال بهذه الذكرى من بلد إلى آخر إلاّ أنها جميعها تشترك في التعبير عن تعلقها بالرسول الكريم بإظهار الفرح والسرور بهذه المناسبة عن طريق ارتداء الملابس التقليدية الجديدة ، وتبادل الزيارات ، ومرافقة الأطفال عند الخروج الى الاحتفال.

و تحرص العائلات العربية على صلة الرحم والاجتماع مع بعضها في جو تسوده الألفة والمحبة ،  إذ تقوم العوائل بإعداد الحلوى والعديد من الوجبات الغذائية لتوزيعها على الناس.

 مجلة الرسالة الاسلامية تناولت في عددها هذا أهم العادات والتقاليد الاحتفالية  التي تقام في الدول الاسلامية .

الاحتفالات في بلاد الرافدين

في العراق يقول الباحث التاريخي عبد القادر حسان: ان سكان بلاد الرافدين يحتفلون بالمولد النبوي الشريف منذ أواخر العهد العباسي ، إذ تشهد المحافظات احتفالات واسعة وخصوصاً في العاصمة بغداد  إذ اصبحت المناسبة تأخذ الاهتمام من قبل المسؤولين في  العهد الملكي فصارت الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف تأخذ نمطاً آخر، بتنظيم الاحتفال، وتوجيه الدعوات الى كبار المسؤولين في الدولة، ورجال الصحافة ، ووجهاء المجتمع، مع إعداد منهاج خطابي ، وتلاوة المناقب النبوية الشريفة بأصوات كبار قرّاء المقام ، والموشحات الدينية.

واذا انتقلنا الى  العهد الجمهوري ، وتحديداً في ستينات القرن العشرين ،لرأينا أن الاحتفالات بلغت أوج انتظامها ، ما دعا الحكومة  منذ ذلك الحين  الى احتضان الاحتفال ، ونقل وقائع ليلة المولد عبر التلفزيون والاذاعة.

الأعظمية وباب الشيخ .. الأشهر تنظيماً للاحتفالات

كانت مدينة الاعظمية تشتهر بتظيمها للاحتفالات الخاصة بالمولد النبوي الشريف و خصوصاً في جامع الامام الاعظم (ابي حنيفة النعمان ) إذ يستقبل الأعظميون الوفود من المحافظات والمدن العراقية الأخرى، و تقام مآدب كبيرة في المساجد.

  وتبدأ الاحتفالات الدينية والشعبية والرسمية بهذه المناسبة المباركة العطرة من بداية شهر ربيع الأول حتى نهايته وتتمثل بإقامة مجالس تقرأ فيها قصائد مدح النبي صلى الله عليه وسلم وتنشد الاناشيد والموشحات الدينية التي تتغنى بشمائل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

كما وتقدم فيها الأطعمة والحلوى والشرابت، وتتنوع الاحتفالات هذه ، ففي بغداد كانت تقام مجالس المناقب النبوية التي تسمى باصطلاح اهل بغداد ( مولود ) في جلسات ليلية دينية شعبية يحييها احد القراء المجودين المشهورين آنذاك ، وتقام عادة في بيوتات البعض من البغداديين او في الجوامع ، وتسود تلك الاحتفالات اجواء الفرح والسرور، توزع خلالها الاكلات التقليدية الشعبية مثل (زردة وحليب ) والعصائر وبعض الحلويات البغدادية من الزلابية والبقلاوة، وترى اطفال المحلة فرحين وهم يرتدون الملابس البيضاء  .

المواطنة ( ام عمر ) قالت: ان الاحتفال بالمولد النبوي في الاعظمية له طعم خاص ، وان المدينة تستعد للاحتفال منذ اشهر حيث نقوم بتزيين البيوت واعداد الحلوى مثل ( الزردة ، والحلاوة الطحينية ) وغيرها من الحلويات التي يتم توزيعها في هذه المناسبة ، وايضا نقوم بتوزيع الوجبات الغذائية على الزوار القادمين من مختلف انحاء العراق .

وقال المواطن احمد شهاب من سكان منطقة الاعظمية : نقوم بالاستعداد للاحتفال منذ أشهر حيث نقوم بتزين الشوارع والأزقة بالزينة و( الفلكسات) التي تحتوي على عبارات في حب النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه الكرام وايضا تقوم في المحلات والبيوت في المنطقة بتشغيل المسجلات الصوتية التي فيها المدائح النبوية .

اما في (محلة باب الشيخ ) التي تعد مركزاً  لتجمع قراء القرآن الكريم والمناقب النبوية، فنراهم يتبارون في قراءة الاذكار والمناقب النبوية في ساحة الحضرة القادرية واروقتها على مسامع الناس المحتفلين  حيث يشرع القارئ بتنزيله من النغم الشجي وهو يقرأ آبيات احدى القصائد التي تمدح رسول الهدى والرحمة محمد صلى الله عليه وسلم  هكذا كانت ايام بغداد والبغداديين أيام زمان.

 وفي هذا الصدد يقول محمد منصور، وهو صاحب محل  لبيع المنتوجات  الغذائية: ان الاحتفال بذكرى المولد اصبح جزءا مهما من ثقافتنا وعاداتنا وقيمنا الشعبية والوطنية.. والناس هنا يتسابقون الى احياء هذه الذكرى في الجوامع وفي الاسواق والبيوت والطرقات، فيظهرون علامات الزينة والجمال والفرح والسرور.

ويشير منصور الى ان ذكرى المولد تزيد من الحركة في الأسواق التجارية، وبشكل كبير. فالناس يقبلون على شراء مستلزمات الاحتفال من الشعارات ونشرات الزينة الخاصة بهذه المناسبة، فضلاً عن شراء الحلويات وبكميات كبيرة لتوزيعها بين الأقارب والجيران، في حين يتصدر التمر بانواعه كافة قائمة المبيعات خلال الأيام التي تسبق المولد النبوي الشريف.

ويتفق مع هذا الرأي كريم حميد وهو صاحب محل تسجيلات. ويؤكد ان حركة البيع والشراء تشهدت زخما كبيرا منذ نهاية الاسبوع الذي سبق يوم المولد، مبينا ان ذكرى المولد تزيد من اقبال الناس على شراء التسجيلات الصوتية الخاصة بالقرآن الكريم والاناشيد الإسلامية والمدائح النبوية.

احتفالات  مصر الكنانة

تعد مناسبة المولد النبوي الشريف من أهم الاحتفالات الاسلامية الموجودة وأكبر المناسبات الدينية حيوية وبهجة في المستويات الشعبية كافة  فى مصر.
وقد عرف عن المصريون حبهم للاحتفالات الدينية  إذ بدأ الاحتفال بالمولد النبوى مع دخول الفاطميين مصر وقد أقيم اول احتفال بالمولد النبوي الشريف فى عهد الخليفة الفاطمي ( المعز لدين الله) عام 973هـ.
فمظاهر الاحتفال بالمولد النبوى لم تتغير، خاصة في الريف والأحياء الشعبية في المدن الكبرى.
فمع بداية شهر ربيع الأول من كل عام تُقام سرادقات كبيرة حول المساجد الكبرى كمسجد الإمام الحسين ، والسيدة زينب – رضي الله عنهما- تضم تلك السرادقات زوار المولد من مختلف قرى مصر والباعة المتجولين بجميع فئاتهم وألعاب التصويب وبائعي الحلوى والأطعمة وسيركا بدائيا يضم بعض الألعاب البهلوانية وركنا للمنشدين والمداحين، وهم فئة من المنشدين تخصصت في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم .

حلوى المولد النبوي 

تعد ( حلوى المولد) من المظاهر التي ينفرد بها المولد النبوي الشريف في مصر. حيث تنتشر في جميع محال الحلوى ألوان عدة من حلوى المولد على رأسها السمسمية والحمصية والجوزية والبسيمة والفولية. كما وتصنع من الحلوى بعض لعب الأطفال التي تؤكل بعد انتهاء يوم المولد وهي عروس المولد للبنات والحصان للأولاد وقد ارتبطت ذكرى المولد في وجدان جميع الأطفال المصريين على مر العصور بهذه العرائس واللعب ، و الفاطميين هم أول من بدأ في صنع العروس من الحلوى في المولد.
عروس المولد  

تصنع عروس المولد من السكر على هيئة حلوى منفوخة وتجمل بالأصباغ، وتزين بالأوراق الملونة والمراوح الملتصقة بظهرها ،وعروس المولد مصرية خالصة، و تزخرف عروس المولد بزخارف جميلة وتنتشر الزهور على زي العروس وتصنع حلوى أخرى بجانب عروسة المولد على شكل حيوانات ومنها( الحصان و الجمل ).
اما الآن ومع انتشارالوعي الصحي لدى الناس فقد ظهرت عروس المولد في صورة جديدة فقد تم صنعها من البلاستيك وتزين بالأقمشة الشفافة الملونة بأشكال وأحجام متعددة، وتتميز بأنها عملية فهي أطول عمراً ولا تتعرض للكسر، ولا تؤكل فتعرض صحة الأطفال للأضرار التي كشفها الأطباء .
ومن الالتزامات الاجتماعية المرتبطة بالمولد النبوى أن يقدم الخطيب لخطيبته ( الموسم ) وهو عبارة عن عروسة حلاوة غالباً ما تكون كبيرة الحجم ومزركشة بشكل يسر الأنظار ، فضلاً عن هدية أخرى عينية أو نقدية .

الاحتفالات في فلسطين

     في فلسطين تكون الاحتفالات واسعة وخاصة في القدس ، إذ تختلف الاحتفالات في القدس عن باقي المدن الفلسطينية؛ وذلك بسبب الاستعدادات التي تكون بشكل واسع ، اذ تنظف الشوارع وتزين بأحلى زينة وتستعد المساجد الاستقبال مناسبة المولد النبوي الشريف وذلك عن طريق اقامة المحاضرات الدينية التي تحض الناس على الاقتداء بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم  ، فضلا عن الاناشيد التي تتغنى بحب النبي وبعظمة الخالق .

احتفالات الخليج العربي

يكون الاحتفال في الخليج ذاتَ طابعٍ رسميٍ اذ تقوم دول الخليج باحتفالات كبيرة في المساجد وذلك عن طرق استقطاب كبار الدعاة والعلماء في مجال الدعوة والارشاد وترعى الدولة هذه الاحتفالات حيث يحضرها كبار المسؤولين .

احتفالات المغرب العربي

      يشكل الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف ، مناسبة دينية غالية دأب على تخليدها شعب المغرب العربي من خلال المظاهر والطقوس والتقاليد الاصيلة التي ترسخت في تراثها الحضاري الذي تعتز به .

فالاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف ، الذي يعد مظهرا من مظاهر حب الرسول وإجلالاً لشخصيته في نفوس المسلمين ،يكتسب في المقام الأول بالنسبة للمغاربة طابعا دينيا واجتماعيا حيث تلتقي الأسر فيما بينها لما لذلك من دور في ترسيخ الروابط والأواصر والتمسك بالتقاليد المغربية الأصيلة والتشبث بالقيم ومنح القدوة للأجيال الناشئة.

وترتبط هذه المناسبة الدينية الجليلة بعدد من الطقوس التي التزم هنا الشعب على ممارستها والتي تؤكد مدى تمسكهم بالدين الاسلامي الحنيف وتشبثهم بقيمه السمحاء.

وإن مظاهر الاحتفال بهذه الذكرى تتنوع بإقامة المناقب الدينية ومجالس العلم ، وتلاوة القرآن الكريم، وقراءة المدائح النبوية، و الأذكار ،وسرد السيرة النبوية الشريفة ،وإقامة المحاضرات في المساجد، وتنظيم المواسم الدينية في الزوايا تخليدا لهذه الذكرى العطرة.

ولعل أبرز مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة التوجه الى بيوت الله بمرافقة الأطفال وإحياء ليلة الذكر بما يليق بها من خشوع وإجلال روحاني لذكرى مولد سيد الكونين وخاتم الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .

كما وتعد زيارة الأضرحة، من أهم العادات و الطقوس للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، إذ تشهد الأضرحة والمزارات نشاطا متميزا ومكثفا في هذا اليوم ،الذي تنظم به أمسيات للمديح وترتيل القرآن الكريم ترتيلا جماعيا، الى أن يأتي وقت تناول وجبة العشاء التي تكون في الغالب عبارة عن أطباق مغربية تقليدية.
ومن العادات والتقاليد التي تقام في هذه المناسبة  ايضاً هو احتفالية لختان  الأطفال، الذي تعد له الأسرة العدة اللازمة، كما  وتبدي الأسر اهتماما كبيرا للاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف، إذ تقوم ربات البيوت بتحضير وجبة ( العصيدة)، التي يحبها الأطفال، وهي عبارة عن أكلة تحضر من السميد المسقي بالزبدة والعسل، ويرجح البعض أن الأخذ بهذا التقليد في تحضير هذه الوجبة يرجع الى أن بعض المهتمين بالسيرة النبوية يقولون إنها كانت مفضلة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم .


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه