18 / 12 / 2022

نظرات في سورة الإخلاص

د. كاظم إبراهيم

قال الخازن في تفسيره: وهي مكية وقيل مدنية وهي أربع آيات، وخمس عشرة كلمة وسبعة وأربعون حرفا (فصل في فضلها) عن أبي سعيد الخدري (( أن رجلا سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له وكان الرجل يتقالها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن))، وفي رواية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة(( فشق ذلك عليهم فقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله، فقال ( قل هو الله أحدَ الله الصمد ثلث القرآن) عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء، فجعل قل هو الله أحد جزءا من القرآن)).

سبب تسميتها بسورة الإخلاص:

قيل إن عبد الله بن المبارك سئل عن سبب تسميتها بسورة الإخلاص فقال: وفي تسميتها بسورة الإخلاص أوجه الراجح منها لأن فيها إخلاصا لله من كل عيب ومن كل شريك وولد.

وقت نزولها:

 أحدهما: أنها مكية قاله ابن مسعود والحسن، وعطاء، وعكرمة، وجابر.

وجابر والثاني: مدنية، روي عن ابن عباس، وقتادة، والضحاك. وقد روى البخاري في أفراده من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن وروى مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنها تعدل ثلث القرآن. وفي سبب نزولها ثلاثة أقوال.

أحدها: قال أبي بن كعب: أن المشركين قالوا: يا محمد انسب لنا ربك، فنزلت هذه السورة.

والثاني قال ابن عباس أن عامر بن الطفيل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلام تدعونا يا محمد؟ قال: إلى الله عز وجل قال: صفه لي، أمن ذهب هو، أو من فضة، أو من حديد، فنزلت هذه السورة.

والثالث: أن الذين قالوا هذا، قوم من أحبار اليهود قالوا من أي جنس هو وممن ورث الدنيا، ولمن يورثها ؟ فنزلت هذه السورة.

معاني كلماتها:

((قل هو الله أحد)) أي قل لمن سألك يا نبيناعن ربك هو الله أحد.

((الله الصمد)) : أي الله الذي لا تنبغي العبادة إلا له الصمد: السيد الذي يصمد إليه.

في الحوائج. فهو المقصود في قضاء الحوائج على الدوام.

((لم يلد)) : أي لا يفنى إذ لا شيء يلد إلا وهو فان بائد لا محالة.

((ولم يولد)) : أي ليس بمحدث بأن لم يكن فكان فهو كائن أولا وابدا.

(( ولم يكن له كفوا أحد)) : أي لم يكن أحد شبيه له أو مثيل إذ ليس كمثله شيء.

أما المعاني العامة للآيات فتدل على:

1- معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته.

2- تقرير التوحيد والنبوة.

3- بطلان نسبه الولد إلى الله تعالى.

4- وجوب عبادته تعالى وحده لا شريك له فيها، إذ هو الله ذو الألوهية على خلقه دون سواه.

ومن جهة أخرى فإنها تضمنت اثباتين ونفيين:

1- إثبات الوحدانية، ونفي الشريك: (قل هو الله أحد).

2- إثبات الاستغناء، ونفي الاحتياج: (الله الصمد).

3- نفي الولادة والولد: (لم يلد ولم يولد).

4- نفي المثيل: (ولم يكن له كفوا أحد).

فضائل السورة من خلال الحديث النبوي الشريف:

عن أبي هريرة قال أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد الله الصمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت قلت وما وجبت قال الجنة الترمذي باب ما جاء في سورة الإخلاص وقال حديث حسن غريب صحيح، والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده.

وروى الامام البخاري عن أبي سعيد الخدري: أن رجلا سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد يرددها فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له وكأن الرجل يتقالها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن)) ( صحيح البخاري ).

وروى مسلم عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد ، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((سلوه لأي شيء يصنع ذلك)) فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أخبروه أن الله يحبه)). وفي رواية الترمذي: (إن حبها أدخلك الجنة ) ( رواه مسلم).

وروى البخاري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما قل هو الله أحد و قل أعوذ برب الفلق و قل أعوذ برب الناس ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات.

معاني الكلمات: ((أوى وآوى: ضم وانضم، وجمع، حمى، ورجع، ورد، ولجأ اعتصم ووارى، وأسكن، ويستخدم كل من الفعلين لازما ومتعديا ويعطي كل منهما معنى الآخر.

النفث: أقل من التفل، لأن التفل لا يكون إلا معه شيء من الريق، والنفث شبيه بالنفخ)).

 وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة فشق ذلك عليهم وقالوا أينا يطيق ذلك يا رسول الله فقال الله الواحد الصمد ثلث القرآن (صحيح البخاري).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( قال الله كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد )) (رواه البخاري ).

المعنى العام الإجمالي:

سورة الإخلاص هي إعلان الوحدانية في أول بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام، وجاءت في العصر الذي طغت وعلت فيه رايات الشرك والوثنية في الجزيرة العربية وفي بلاد فارس والروم وسائر الأمم والملاحظ إن إعلان الوحدانية هي دعوة العالم جميعا إلى نبذ ما يقدسون ويعبدون من دون الله كالأوثان والاصنام التي لا تضر ولا تنفع كذلك تقديس البشر. فالله الواحد أحد في صفاته، وفي قدرته وفي علمه وحكمته، ولا يمكن أن يقبل الشريك، ولو كان ملكا مقربا أو نبيا مرسلا، أو وليا صالحا. ولايمكن ان يكون له ظهير أو سند لقوله عز جلاله وعم نواله: (( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السَّماوات ولا في الأرض وَمَا لَهُم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير )) (سورة سبأ الآية : (۲۲). وأما الصمدية فهو الدعوة للعالمين جميعا بأن يلتجئوا الله وحده تعالى عما يصفون علوا كبيرا، ولا يلتجئون إلى غير الله من المخلوقين والعباد كونهم لا يملكون ضرا ولا نفعا، بل هم إلى الضر أقرب، ولا يملكون لأنفسهم موتا ولا حياة ولا نشورا بل هم محتاجون لمن يصرف عنهم السوء ويقضي حوائجهم، فكيف يتمادون في تقديس أربابهم وتعظيمهم وعبادتهم من دون الله تعالى جل جلاله المستغني عمن سواه، فكيف يتساوى الخالق العظيم حتى مع انبيائه الكرام المبجلين المكرمين المنزهين عن العيوب والنقائص المحفوظين بحفظ الله جل وعلا ومصداق ذلك قوله تعالى: (( ما المسيخ ابن مريم إلا رسول قد خلت من قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأمَّهُ صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف تبين لهم الآيَاتِ ثم انظر أتى يُؤفكون)) (سورة المائدة الآية :(۷۵)، أي أنه رسول ليس باله، كما أن من سبقوه من الرسل ليسوا آلهة وإنما أتى بالمعجزات من ربه، كما أتوا بها من ربهم، فمن ادعى له الإلهية فهو كمن ادعى لهم الإلهية لتساويهم في المنزلة.

سبب جعلها تعدل ثلث القرآن:

قال الإمام البيضاوي في تفسيره: جاء في الحديث أنها تعدل ثلث القرآن فإن مقاصده محصورة في بيان العقائد والأحكام والقصص. تفسير البيضاوي.

وحق لهذه السورة أن تعدل ثلث القرآن، رغم قصرها الموجز ، فإنها وان قل عدد آياتها لكنها احتوت على جوهر العقيدة الإسلامية بأساسها العقلي القاطع الدامغ. وكما أشار علماء التفسير.


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه