16 / 11 / 2014

هدَّيةُ الحاجٍ إرثٌ عراقيٌّ أصيلٌ متجدِّدٌ

د. علي مجدي علاوي

فلقد جاء حديث الهدية على لسان خير البرية بكلمتين خفيفتين على اللسان ، ثقيلتين في المحبة مع الاخوان ، كيما يرضى عنهم الرحيم الرحمن بقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .(تهادوا تحابوا ) .

اذاًُ فالهديةُ هي محبة بين المسلمين تزيد رابطة الاخوة والتعايش السلمي بين أبناء المجتمع الواحد ، فهي عبارة عن إعطاء شيءٍ ماديٍّ ملموس من طيب نفس، وخاطر لأخيك لابتغاء الأجر من عند الله – تعالى- من غير مقابل من الشخص المعني ، باعتبارها أسرع، وأقصر طريق في ادخال البهجة، والسرور الى قلب المسلم حينما تذكرته وانت مسافر الى بلد اسلامي ما والهدية انواع منها قد تكون غالية أو رخيصة ، المهم انك تعطي هدية ونجد ايضا تخصيص بقوله – تعالى- : (( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )) . إذاً فكلما كانت الهدية من أحب الأشياءٍ الى قلبك كان قبولُها أسرعَ؛ لأنها تقع في مكان عند الله أفضل من المكان الذي وضعته فيه وهنا نسلط الاضواء على هدية الحاج، والمعتمر حينما يذهب الى بيت الله العتيق، ويؤدي المناسك على وفق ما أراده الله – تعالى- ورسوله الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم … فمن هذه وتلك يتذكر الحاج والمعتمر من أنَّهُ اذا رجع الى بيته بعد توفيق الله له فإن محبيه يتبادرون في الوصول اليه لتهنئته بسلامة الوصول، وحج مبرور، وذنب مغفور، وسعي مشكور، وتجارة لن تبور .

فإن أولَ هدية يجب ان يعرفها الحاج والمعتمر هو ان الله امد في عمره كي يرجع إلى أهله، ووطنه ومحبيه بحمد من البارئ وتوفيقه ان مكنه من اداء المناسك والرجوع الى أهله سالماً معافىً وقد غفر الله ذنوبه…. وعليه فان جميع من أحبَّه أتى إليه مهنئاً له يريد منه ان يعبر عن مشاعره سيما انه قد شاهد تلك المناظر القدسية الشريفة وما كانت انطباعته في رحلته المباركة فضلاً عن هذه وتلك فان هدية الحاج والمعتمر عبارة عن امور رمزية تذكر الضيف بمكة والمدينة (شرفهما الله تعالى) فهذا ماء زمزم وهذه الهدية من أجمل الهدايا كونها مرتبطة بأشرف وأطهر مكان وهي مكة المكرمة حيث لايوجد في ايِّ بقعة من العالم هذا الماء وخاصيته الا في مكة شرفها الله وماء زمزم يقصده الحجيج للتبرك والاستشفاء فهو لما شرب له لحديث ((ماء زمزم لما شرب له)) فقد ثبت علمياً بما لايقبل الشك ان قراءة بسم الله الرحمن الرحيم عليه وفاتحة الكتاب مرات عديدة فان بلورات الماء تعطي حافزا قويا لاستشفاء من امراض عديدة يقف الطب عاجزا عنها كيف لا والله سبحانه -وتعالى- يقول : ((وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً)) (الاسراء: 82) لذلك فهدية ماء زمزم هي في رأيي الخاص من افضل هدايا الحاج والمعتمر كونها ذات قدسية وتحتل المركز الاول في تقديمها على سائر الهدايا مما لامجال للشك فيه.

أما عن باقي الهدايا فهي عبارة عن سجادة للصلاة او عود الاراك او عطر او حجاب للمرأة او قلنسوة للرجل او مسبحة مع القران العظيم وهناك من يجلب لأهله(تمر العجوة) كون هذه النخلة لها خاصية حيث ان تمر العجوة من تَصبَّح وتمسَّى بها بسبع تميرات لم يضره سحر ساحر ولا عمل المفسدين في ذلك اليوم. فتظل مفردات الهدايا مما لاحصر لها فكل شخص قد انطبع في ذهنه شيء ما هو من يقدر لكل شخص هديته على وفق ما اراده ان يضعها في مكانها الصحيح، وعليه فان العراقيين لهم انطباع خاص في هذا المجال فتجد ناساً الهدية باقية عندهم بما يقارب الثلاثين سنة كونها قد جاءتهم من اشرف مكان واطهر مكان بما جادت به يد الحاج والمعتمر لاعطائها…بحيث لايفوتنا ان الحاج والمعتمر العراقي في وقتنا الحالي يتبضع من بغداد قبل ذهابه الى مكة واحيانا يكلف شخص ينوب عنه بهذه المهمة لامور منها محاسبته طاقم الطائرة على الوزن الزائد، أو كونه ممن أراد العبادة الخالصة، وترك فقرة الشراء والمشتريات الى من هو عنده متسع من الوقت لشرائها والوقوف عليها نقطة نقطة.

وعليه فان الحاج، والمعتمر بركته مستمدة من مكة والمدينة فأيّ عطاء منه بيده أو من أهله انما هو من بركات الحرمين وعطاء الله له والناس جميعا عطاء غير مجذوذ.

وتبقى الهدية رمز شامخ للمحبة، والرأفة، والرحمة، والتسامح، واللين والتواضع، والابتعاد عن الحقد، والأنانية، والبغض والتخاصم فهي عبارة عن ورود مقدمة الى من تحب في الله فالمسلمون كلهم اخوة ينتمون الى دين واحدٍ، وربٍّ واحد ونبيٍّ واحد وقبلة واحدة تجمعهم كلمة التوحيد لافرق بين عربي واعجمي الا بالتقوى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) (الحجرات: 13) فالهدية التي بينهم تقوي الرابطة وتزيد من عزم المسلمين في المضي نحو الامام لقهر عدوهم وليعلم العالم جميعا ان المسلمين هم جسد واحد قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) والحمد لله في الاولى والاخرة على ان جعلنا مسلمين متمسكين بسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه