ايات من القرأن الكريم

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً

الآية رقم 16

من سورة مريم

04 / 02 / 2016

بعض الاسئلة الشرعية فيما يخص التطور الحاصل بتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات...

السؤال :

اود ان اطرح على جنابكم الموقر بعض الاسئلة الشرعية فيما يخص التطور الحاصل بتكنولوجيا الاتصالات والعلومات. فما رأي سماحتكم بصور الاعتداءات التالية الحاصلة عبر الحاسوب وشبكة الانترنت:

1- ماحكم استنساخ البرامج الكمبيوتريةالمصنعة من قبل شركات عالمية وبيعها باقل من اسعارها عند الشركة المصنعة لها؟ علما بان هذه الشركات لا ترخص بذلك وانه يوقعها في خسائر فادحة؟
 
2- ما حكم اتلاف البرامج والمعلومات والمواقع على شبكة الانترنت عن طريق الاختراق سواء عبر برامج الفيروسات اوغيرها من طرق الاختراقات؟
 
3- ماحكم الاعتداء على الحياة الخاصة للغير عبر الوسائل الالكترونية كالتجسس والتنصت على البيانات والمعلومات الخاصة بالاخرين؟ وما حكم القذف والسب عبر هذه الوسائل الالكترونية؟

4- ما حكم العاملين على اجهزة الحاسوب سواء في القطاع العام او الخاص باستخدامهم للحاسوب في غير اغراض العمل الموكلين به كاستخدامهم له لاغراض شخصية؟

5- ما حكم تزوير البيانات والمعلومات عبر الوسائل الالكترونية؟

الجواب :

استنساخ البرامج الإلكترونية لأغراض تجارية

 01 ما حكم استنساخ البرامج الكمبيوترية المصنعة من قبل شركات عالمية وبيعها باقل من أسعارها عند الشركة المصنعة لها؟ علما أن هذه الشركات لا ترخص بذلك وأنه يوقعها في خسائر فادحة؟

على الشركات المصنعة لهذه البرامج أن لا تبالغ باستغلال احتكارها إنتاج هذه البرامج فتبيعها بأسعار غالية جدًا لأنَّ هذا يؤدي إلى كتم العلم وهو لا يجوز فقد صح عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال (من سئل عن علم فكتمه ألجمه اللّه بلجام من نار يوم القيامة)([1]) فيَحْتمِل النصُ كلَّ علم نافع من علوم الدنيا والدين، هذا من جانب.

ومن جانب آخر على الذين يشترون هذه البرامج أن يراعوا حقوق المنتجين لهذه البرامج على وفق قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) فإذا كان في القرص ما ينص على أن حقوق نسخه محفوظة فعلينا احترام هذا القيد؛ فقد صح عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ)[2]. فعلى من اشترى القرص وفيه هذا الشرط أن يحترمه، وإذا لم يكن فيه فلا حرج.

وهناك جانب ثالث في الموضوع؛ فربما يكون الشخص محتاجًا لهذا البرنامج لبحوثه المهمة ولا يوجد في بلده هذا القرص، أو لا يوجد في السوق لنفاده فيمكن القول هنا بالجواز له في مثل هذه الحال لأنه يمثل حاجة والحاجة تنزل منزلة الضرورة والضرورات تبيح المحظورات.

أما استنساخها لأغراض تجارية بحتة فلا حق لهم به لأنه ضرر على صاحب القرص وتضييع لحقه.

اختراق المواقع وإتلافها

02 ما حكم اتلاف البرامج والمعلومات والمواقع على شبكة الانترنت عن طريق الاختراق سواء عبر برامج الفيروسات أو غيرها من طرق الاختراقات؟

الأصل في الشريعة الإسلامية احترام حقوق الآخرين وعدم الاعتداء على ممتلكاتهم الشخصية.

ولكن الإنترنت اليوم اخترق كل مجال وانتشر في العالم بلا حدود، وفيه الغث والسمين والنافع والضار من المواقع؛ ونحن مأمورون بإصلاح الفساد ودفع أذى المفسدين، فوظيفة الخيرية في هذه الأمة هي (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران104 ومن هذا الباب يمكن القول بجواز إتلاف برامج الفساد ومواقعه كنوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كان الأولى أن تقوم السلطات الرسمية في بلادنا بحجب مثل هذه المواقع.

والأفضل من هذا الاشتغالُ بنشر الخير والدعوة إلى الفضيلة من خلال مواقع مناسبة تعمل على رد هذه الرذيلة.

أما مواقع الكفر التي تتهجم على الدين وتنتقص من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتثير الشبهات والضلالات بصورة لا تحترم مشاعر المسلمين؛ فحجب هذه المواقع أولى واختراقها وضربها لتعطيلها أوجب وهو من صور الجهاد الحديثة لرد مكر الكافرين وكيدهم إلى نحورهم.

احترام الخصوصية

03 ماحكم الاعتداء على الحياة الخاصة للغير عبر الوسائل الالكترونية كالتجسس والتنصت على البيانات والمعلومات الخاصة بالآخرين؟ وما حكم القذف والسب عبر هذه الوسائل الالكترونية؟

الأفاضل الأكابر هم الذين يحترمون الآخرين ولا يحشرون أنفسهم في خصوصيات لا تعنيهم، ومن أجل بناء الأكابر قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} الحجرات12 فقد نهت هذه الآية عن أسباب فتح باب الفساد في البناء الاجتماعي التي تؤدي إلى صراعات تافهة في المجتمع تشغل عن معالي الأمور وهي:

1- ظن السوء بأهل الخير؛ فقال }اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ{ فأمر باجتناب الكثير خوفا من الوقوع بالقليل، ومعنى اجتنبوا أي كونوا في جانب واجعلوا سوء الظن في جانب آخر غير جانبكم، وهذا يعني أن نكون في غاية البعد عن هذا المرض.

2- تتبع عورات الآخرين بالتجسس عليهم }وَلَا تَجَسَّسُوا{ أي لا تتبعوا عورات الناس ومعايبهم، والتجسس ثمرة طبيعية لسوء الظن الذي يدفع للتحقق من الظن بالتجسس فنهى الله عنه.

3- وأكل لحوم الأموات بالغيبة }وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً{ أي لا يذكره أمام الآخرين بشيء يكرهه؛ وإن كان مما هو فيه.

وبناءً على هذا لا يجوز هتك أسرار الآخرين وخصوصياتهم بسوء ظن يتبعه تجسس بأي طريقة كان حتى ولو إلكترونيًا، ولا يجوز الحديث عن الآخرين عبر النت بما يكرهون لأنه كالحديث عنهم عبر المجالس، فهو غيبة محرمة.

استعمال الأجهزة الإلكترونية العامة للأغراض الشخصية

04 ما حكم استخدام العاملين على أجهزة الحاسوب في القطاع العام أو الخاص للحاسوب في غير أغراض العمل الموكلين به كاستخدامهم له لأغراض شخصية؟

الموظف أجير في المصطلح الإسلامي، وهو يعمل للدائرة التي أجرته طوال وقت الإجارة (الدوام) ولا يجوز له أن يعمل خلال هذه الساعات لغير دائرته ولا أن يستعمل أجهزة الدائرة لغير عملها لأنه يؤثر في استهلاكها، لذا فلو عطب الجهاز نتيجة هذا الاستعمال فالموظف ضامن ويتحمل نتيجة العطب.

والمسؤول المباشر في الدائرة الحكومية غير مخول بالترخيص للموظف المختص بهذا الاستعمال، ولو أذن فلا قيمة لإذنه لأنه غير مخول بهذا في أصل عقد عمله.

أما في القطاع الخاص فلو أذن صاحب الشركة أو المشروع بذلك فلا بأس.

التزوير الإلكتروني

05 ما حكم تزوير البيانات والمعلومات عبر الوسائل الالكترونية؟

تزوير المعلومات بإضافة ما ليس منها إليها؛ أو بحذف بعض منها؛ يدخل في الغش الذي حرمه الإسلام فقد قال رسولنا الأكرم (مَن غَشَّنا فليس منا)([3]) فحقيقة الغش هي إخفاء ما في السلعة من نقص أو عيب وكتمانه والتزوير كذلك، فالمزور يخفي حقيقة البيانات ويكتم أمورًا ويظهر غيرها ويروج لغير الحقيقة، وكل هذا غش سواء كان عبر الوسائل التقليدية القديمة أو الإلكترونية الحديثة.


 

([1]) أخرجه أبو داود، السنن، كتاب العلم، باب كراهة منع العلم، حديث رقم 3173، والترمذي، السنن، كتاب العلم، باب ما جاء في كتمان العلم، حديث رقم1573 وقال عنه حسن صحيح، وابن ماجة، مقدمة السنن، باب من سئل عن علم فكتمه، حديث رقم257.

[2])) أخرجه أبو داود 3/ 304، حديث رقم 3594 وقال عنه الألباني: حسن صحيح.

[3])) رواه مسلم، كتاب الإيمان، حديث رقم 101.

 

الشيخ الدكتور عبد الستار عبد الجبار

عضو المجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء

للدعوة والإفتاء

عضو المجلس العلمي المركزي


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه