07 / 09 / 2014

اطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة

الدكتور عبد السلام محمد عباس

يقول عز من قائل ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)) البقرة168

ان كسب الرزق وطلب العيش شئ مأمور به شرعا .مندفعة اليه النفوس طبعا .فالله قد جعل النهار معاشا .وجعل للناس فيه سبحا طويلا .أمرهم بالمشي في مناكب الارض ليأكلو من رزقه وقرن في كتابه بين المجاهدين في سبيله والذين يضربون في الارض يبتغون من فضله وقال تعالى : ((وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ)) المزمل 20

ويقول الرسول صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : (( ما أكل أحدٌ طعاماً خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داوود عليه الصلاة والسلام كان يأكل من عمل يده )) رواه البخاري ولقد قال بعض السلف .إن من الذنوب ذنوبا لايكفرها الا الهم في طلب المعيشة وفي اخبار عيسى عليه السلام .أنه رأى رجلا فقال ما تصنع قال أتعبد .قال ومن يعولك قال أخي .قال وأين أخوك ,قال في المزرعة .قال أخوك أعبدُ لله منك.

وعندنا اهل الاسلام ليست العبادة ان تصف قدميك وغيرك يسعى في قوتِك، ولكن ابدأ برغيفك فأحرزها ثم تعبد والاستغناء عن الناس بالكسب الحلال شرف عال وعز منيف. حتى قال الخليفة المحدث عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) مامن موضع يأتيني الموت فيه أحب الي من موطن اتسوق فيه لأهلي ابيع واشتري.

ومن مأثور حكم لقمان :- يابني استغن بالكسب الحلال عن الفقر فأنه ما افتقر أحدٌ قط إلاَّ أصابه ثلاث خصال -رقةٌ في دينه -وضعف في عقله-وذهابُ مروءته.

ان في طيب المكاسب، وصلاح الأموال سلامة الدين وصون العرض، وجمال الوجه ومقام العز ومن المعلوم ان المقصود من كل ذلك الكسب الطيب .فالله طيب لايقبل الا طيباً .

وقد أمر الله به المؤمنين كما أمر به المرسلين فقال عز من قائل : ((يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)) المؤمنون51

وقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ))البقرة172

ومن أعظم ثمار الإيمان طيبُ القلب ونزاهةُ اليد وسلامة اللسان والطيبون للطيبات والطيبات للطيبين . ومن أسمى غايات رسالة محمد (صل الله عليه وسلم ) انه يحل الطيبات ويحرم الخبائث .وفي الاخرة يكون حسن العاقبة للطيبين .

قال الله تعالى : ((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوْا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ))النحل32

عن أبي سعيد الخدري (رضي) قال .قال رسول الله (صل الله عليه وسلم) .( أربع اذا كن فيك فلا عليك مافاتك من الدنيا .حفظ امانة، وصدق حديث ،وحسن خليقة وعفة في طعمة ) رواه الامام احمد.

ان طلب الحلال وتحريه امر واجب وحتم لازم .فلن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه .إن من الحق على كل مسلم ومسلمة ان يتحرى الطيب من الكسب والنزيه من العمل . ليأكل حلالا وينفق في حلال -انظروا رحمكم الله الى أبي بكر الصديق رضي الله عنه يجيئه غلامه بشئ فيأكله فيقول الغلام .أتدري ماهو تكهنت في الجاهلية لإنسان وما أحسن الكهانة ولكني خدعته .فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي اكلت .فأدخل ابو بكر يده في فمه فقاء كل شئ في بطنه .وفي رواية أنه قال لو لم تخرج الا مع نفسي لاخرجتها .اللهم اني اعتذر اليك مما حملت العروق وخالطه الامعاء . رواه الامام البخاري .

وشرب عمر لبنا فأعجبه .فقال للذي سقاه .من اين لك هذا .قال مررت بإبل الصدقة وهم على ماء .فأخذت من ألبانها .فأدخل عمر يده فاستقاء .وتوصي أحدى الصالحات زوجها وتقول .ياهذا إتق الله في رزقنا فإننا نصبر على الجوع ولانصبر على النار .أولئك هم الصالحون يخرجون الحرام والمشتبه من أجوافهم .وقد دخل عليهم من غير علمهم .وخلف من بعدهم خلوف يعمدون الى الحرام ليملأوا به بطونهم وبطون أهليهم. ولنستمع الى هذا الرجل الذي ذكره النبي صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ( يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه الى السماء – يارب- يارب .ومطعمه حرام .وملبسه حرام.وغذي بالحرام .فأنى يستجاب لذلك ) أخرجه الإمام مسلم.

لقد استجمع هذا الرجل من صفات الذلِّ والمسكنة، والحاجة، والفاقة مايدعو الى رثاء حاله ويؤكد شدة افتقاره – تقطعت به السبل- وطال عليه المسير – وتغربت به الديار – وتربت يداه فحيل بين دعائه والقبول – أكل من حرام – واكتس من حرام – ونبت لحمه من حرام فردت يداه خائبتين.

بالله عليكم ماذا يبقى للعبد إذا انقطعت صلته بربه- وحجب دعاؤه – وحيل بينه وبين الرحمة لمثل هذا قال بعض السلف – لو قمت في العبادة قيام السارية مانفعك حتى تنظر مايدخل بطنك.وإن العجب كل العجب ممن يحتمي من الحلال مخافة المرض . ولايحتمي من الحرام مخافة النار.

إن اكل الحرام يعمي البصيرة .ويوهن الدين .ويقسي القلب .ويظلم الفكر .ويقعد الجوارح عن الطاعات .ويوقع في حبائل الدنيا وغوائلها .ويحجب الدعاء .ولا يتقبل الله الا من المتقين إن للمكاسب المحرمة آثاراً سيئة على الفرد والجماعة.وتنزع البركات.وتفشو العاهات، وتحل الكوارث – أزمات مالية مستحكمة – وبطالة متفشية – وتظالم شحناء وخير سبيل للبعد عن الحرام ترك المشتبه.وسلوك مسالك الورع عند التردد عن النعمان بن بشير (رضي الله عنه) قال :- سمعت رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) يقول .إن الحلال بين وإن الحرام بين .وبينهما مشتبهات لايعلمهن كثير من الناس .فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه .ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام.كالراعي يرعى حول الحمى يوشك ان يرتع فيه .إلا وإن لكل ملك حمى – إلا وإن حمى الله محارمهُ. الا وإن في الجسد مضغة .إذا صلحت صلح الجسد كله.وإذا فسدت فسد الجسدُ كلُّه الا وهي القلب ) متفق عليه.

وقال الحسن البصري رحمه الله . ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرا من الحلال مخافة الحرام وقال أبو الدرداء (رضي الله عنه) .تمام التقوى ان يتقي العبد ربه.حتى يتقيه من مثقال ذرة . وحتى يترك بعض مايرى انه حلال خشية ان يكون حراما – حجابا بينه وبين الحرام.ولتعلموا ان المشتبهات يحصل للقلوب عندها القلق والاضطراب الموجب للشك . والورع هو الوقاف عن المشتبهات يدع مايريبه الى ما لا يريبه.

فاتقوا الله واحرصوا على أكل الحرام – على لقمة الحلال – فإن القليل مع البركة كثير وإن الكثير دون البركة لا خير فيه.


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه