ايات من القرأن الكريم

فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ

الآية رقم 51

من سورة المدّثر

25 / 08 / 2016

الحج بالانابة

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ماهو السند القراني والسنة النبويه في الحج بالانابة للميت ليس الحي وقناعتي في ضوء ثقافتي الاسلاميه ان لاصحةفيهافدعوة الله للحج للاحياء من استطاع وهنا الاستطاعه واضحه بدنيا وماديا- بانتظار اجابتكم سادتي الافاضل في ضوء الكتاب والسنة و جزاكم الله خير

الجواب:

(النيابة في الحج)

ويقصدُ بالنيَابةِ قيامُ المكلفِ الصحيحِ بالحجِ مقامَ غيرِه.. والأصلُ فيْ النيابةِ فيْ كلِ العباداتِ المنعُ ما لمْ يردْ دليلٌ شرعيٌّ يدلُ على جوازِه([1]) لأنها تكاليف عينية على المكلف، كمَا أنَّ الأصلَ في النيابةِ في المعاملاتِ الجوازُ.

والنيابةُ فيْ الحجِ عنْ الميتِ والعاجزِ بدنياً عجزاً دائماً (كالمعضوبِ الذي لا يستطيعُ أنْ يثبتَ على الراحلةِ لكبرٍ أو لضعفٍ أو لزمانةٍ) مشروعةٌ عندَ الجمهورِ على تفصيلٍ، فمتى وُجِدَ في العاجزِ بدنياً الذي لا يرجَى لهُ تحصيلُ القدرةِ البدنيةِ؛ القدرةُ الماديةُ معَ وجودِ منْ ينيبهُ عنهُ فقدْ وجبَ عليهِ الإحجاجُ.

فشرطُه العجزُ عنْ حجِ الفريضةِ فمنْ عجزَ فأحجَّ صحَّ ويقعُ عنهُ([2]). أمَّا القادرُ على الحجِّ بنفسِه فلا يجوزُ لهُ أنْ ينيبَ في حجِ الفريضةِ بالإجماع، وفيْ النفلِ يجوزُ عندَ أبي حنيفةَ خلافاً للشافعِي وعنْ أحمدَ روايتانِ.

وهنا ثلاثُ مسائلَ لا بدَّ منْ بيانِها:

الأولى: الحج عن الحي العاجز: الحجُّ عنْ الحيِّ العاجزِ جوزَه أبو حنيفةَ والشافعيِّ وأحمدَ وقالوا: إنَّ الاستطاعةَ تكونُ في البدنِ والقدرةِ؛ وتكونُ أيضاً بالمالِ لمنْ لمْ يستطعْ ببدنِه، وقدْ رُويَ ذلكَ عنْ عمرَ بنِ الخطابِ وعبدِ اللهِ بنِ عباسٍ وسعيدٍ بنِ جبير؛ كلُهم فسروا السبيلَ فيْ قولِه تعالى }وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً{ آل عمران 97 هوَ الزادُ والراحلةُ، وهذَا يدلُ علىْ أنَّ فرضَ الحجِّ علىْ البدنِ والمالِ.

ودليلُهم حديثُ الخَثْعَميةِ التي جاءتٌ تَسْتَفْتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقالت: )يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ في الْحَجِّ على عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أبي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ على الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِي عنه أَنْ أَحُجَّ عنهُ؟ قالَ: نعم(([3]) فالحديثُ يدلُ علىْ أنَّ الاستطاعةَ تكونُ بالغيرِ كمَا تكونُ بالنفسِ.

وذهبَ الإمامُ مالكٌ وأصحابُه إلىْ عدمِ جوازِ الحجِ عنْ الأحياءِ مطلقاً لأنَّ التكليفَ فيْ قولِه تعالىْ }وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً{ لهمْ أيْ للناسِ الأحياءِ، وقالوا فيْ حديثِ حجِّ الخثعميةِ عنْ أبيهَا: إنهُ خاصٌ بهَا وبأبيها؛ كمَا خُصَّ سالمٌ مولىْ أبِي حذيفةَ بإرضاعِه فيْ حالِ الكبَرِ، فالحجُ لا يلزمُ منْ لمْ يستطعْ إليهِ سبيلاً([4])، وفيْ هذا القولِ تكلفٌ في توجيهِ الحديثِ، فالنص جاء بحكم الأصل فيه أنه عامٌّ؛ ولا يوجدُ فيه ما يدلُّ على الخصوصية.

الثانية: الحج عن الميت: وردَ فيْ الحجِ المنذورِ عنْ الميتِ أَنَّ امْرَأَةً من جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فلم تَحُجَّ حتى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عنها؟ قال )نعمْ حُجِّي عنها أَرَأَيْتِ لو كانَ على أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قاضيتَه؟ اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ(([5]).

قالَ ابنُ حجرٍ عندَ شرحِ الحديثِ (منْ ماتَ وعليهِ حجٌ وجبَ على وليهِ أنْ يجهزَ منْ يحجُ عنهُ مِنْ رأسِ مالهِ كمَا أنَّ عليهِ قضاءُ ديونهِ… ويلتحقُ بالحجِ كلُ حقٍ ثبتَ في ذمتهِ منْ كفارةٍ أو نذرٍ أو زكاةٍ أوْ غيرِ ذلكَ)([6]) وهذا عند الشافعية.

وفرَّقَ الحنفيةُ بينَ النذرِ وهوَ واجبُ الوفاءِ؛ وقدْ مرَّ حكمُه في الحديثِ، وبينَ حجِّ الفريضةِ([7]) فنقلَ العينيُّ عنْ مالكْ وأبي حنيفةَ: إنْ أوصَى الميتُ بذلكَ يخرجُ منْ ثلثهِ؛ فإنْ كانَ كافياً منْ بلدِه وجبَ ذلكَ وإنْ لمْ يكفِ أنْ يُحجَّ منْ بلدِه يُحجُ عنهُ منْ حيثُ كانَ كافياً([8])، وإنْ لمْ يمكنْ أنْ يحجَّ عنهُ بثلثِ مالهِ منْ مكانٍ بطلتْ الوصيةُ ويورثُ عنهُ([9]).

الثالثة: نية النائب: ينوي النائبُ عنْ المنيبِ فيقولُ لبيكَ بحجةٍ عنْ فلانٍ؛ ويردُّ النائبُ ما فضلَ منَ النفقةِ إلىْ منْ أحجهُ. ودمُ الجنايةِ على النائبِ لأنَّه هوَ الجانِي، ودمُ الإحصارِ([10]) على الآمرِ إنْ كانَ حياً؛ وإنْ كانَ ميتاً ففِي مالهِ عندَ الشافعي وفي ثلثِ التركةِ عندَ أبي حنيفةَ.

ومنْ حجَّ عنْ غيرِه بغيرِ أمرِه لا يكونُ حاجاً عنهُ عندَ الحنفيةِ والمالكيةِ، بلْ يكونُ مُهدياً ثوابَ حجهِ لهُ، ونيتُه عنهُ تكونُ لغواً، وللإنسانِ أنْ يجعلَ ثوابَ عملِه لغيرِه في جميعِ العباداتِ، صَلاةً كانَ أوْ صَوْماً أو صَدَقَةً أو غَيْرَهَا كَالْحَجِّ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالأَذْكَارِ.

وقدْ اختلفَ العلماءُ فيْ تكاليفِ الحجِّ عنْ الميتِ على أربعةِ أقوالٍ:

الأول: قولُ الحنفيةِ ومنْ وافقَهمْ؛ لا يجوزُ الاستئجارُ علىْ الحجِ عنْ الميتِ لأنَّ الحجَّ قربةٌ ولا يجوزُ الاستئجارُ على القربِ لعدمِ الضرورةِ، ولكنْ تدفعُ لهُ نفقةُ الحجِ ومصاريفَ السفرِ إذا أوصَى الميتُ بذلكَ([11]). فليسَ لمنَ حجَّ عنْ غيرِه أنْ يأخذَ أكثرَ منْ نفقتِه وعلى قدرِ الحاجةِ فما زادَ يعودُ للمنيبِ وما نقصَ يرجعُ بهِ عليهِ.

الثاني: قولُ مالكٍ (وأكرهُ أنْ يؤاجرَ نفسَه في الحجِ فإنْ فعلَ جازَ)([12]) فجوزَ أنْ يحجَّ عنْ الميتِ بأجرةٍ معَ الكراهةِ، ولا يُحجُّ عنهُ إلا إذا أوصَى بهِ.

الثالث: قولُ الشافعيةِ (إنَّ منْ تمكنَ منْ الحجِ فماتَ يجبُ الإحجاجُ منْ تركتِه سواءٌ أوصَى به أمْ لا)([13]) وتجوزُ عندَهمْ الإجارةُ فما زادَ من مبلغِ الإجارةِ فللنائبِ وما نقصَ فعليهِ.

الرابع: لأحمدَ؛ فقدْ وافقَ أحمدُ الشافعيَّ فيْ منْ ماتَ ولمْ يحج وهوَ مستطيعٌ فقالَ: وجبَ أنْ يُخرَج عنهُ منْ جميعِ مالِه ما يُحَجُ بهِ عنهُ ويُعتمرُ. ووافقَ أبَا حنيفةَ في منعِ الإجارةِ على الحجِ فكلُ (ما لا يتعدَى نفعُه فاعلَه منْ العباداتِ المحضةِ كالصيامِ وصلاةِ الإنسانِ لنفسهِ وحجهِ عنْ نفسهِ وأداءِ زكاةِ نفسهِ فلا يجوزُ أخذُ الأجرِ عليهَا)([14]) عندَ أحمدَ.

وحجةُ مالكٍ والشافعِي على جوازِ الاستئجارِ على الحجِ:

01 الإجماعُ منعقدٌ على جوازِ كتابةِ المصحفِ (طباعتهِ اليومَ) وبناءِ المسجدِ وحفرِ القبرِ، وصحةُ الاستئجارُ في ذلكَ وهوَ قربةٌ إلى اللهِ تعالى فكذلكَ عملُ الحجِ عنْ غيرِه.

02 الصدقاتُ قربةٌ إلى اللهِ تعالى وقدْ أباحَ الشرعُ للعاملِ عليهَا الأجرَ على عمالتِه وذكرَ ضمنَ مصارفِ الزكاةِ([15]).

ويجيبُ المانعونَ عنها بأنَّ أخذَ الأجرةِ لا يجوزُ إلا للضرورةِ، وما أوردوهُ منْ استدلالٍ يدخلُ ضمنَ الضرورةِ لأنَّ الأمةَ تحتاجُ إلى مثلِ هذهِ الأعمالِ ولا يفعلُها الناسُ تطوعاً عادةً مما يؤدي إلى تعطلِ الحياةِ لذا جازَ ما ذُكرَ أعلاهُ لهذهِ الضرورةِ، والاستئجارُ على الحجِ لا ضرورةَ فيهِ فلا يجوزُ.

والأورعُ قولُ مانعي الإجارةِ، والأوسعُ قولُ مجوزيها، وقدْ شبَّهَ الغزالي وهوَ شافعيٌّ منْ يحجُ لغيرهِ بأجرةٍ بأنَّه (يطلبُ الدنيا بعملِ الآخرةِ)([16]) ثمَّ علقَ تعليقاً بليغاً فيْ وصفِ الصورةِ فقالَ (ولستُ أقولُ لا تحلُّ الأجرةُ أوْ يحرمُ ذلكَ بعدَ أنْ أسقطَ فرضَ الإسلامِ عنْ نفسهِ؛ ولكنَّ الأولَى أنْ لا يفعلَ ولا يتخذَ ذلكَ مكسبَه ومتجرَه فإنَّ اللهَ U يعطِي الدنيا بالدينِ ولا يعطي الدينَ بالدنيا)([17]).

والمرأةُ تحجُ عنْ الرجلِ وبالعكسِ، وحديثُ الخثعميةِ المتقدمُ يدلُ على ذلكَ فقدْ أجازَ لها أنْ تحجَّ عنْ أبيها وهيَ امرأةٌ.

والحنفيةُ وإنْ قالُوا بجوازِ حجِ منْ لمْ يحجِّ عنْ نفسِه (الصرورةِ)([18]) إلا أنَّهُ ينبغي فيمنْ يريدُ إحجاجَ أحدٍ نيابةً أنْ يبحثَ عمَّنْ تتوفرُ فيهِ الخبرةُ فيْ الحجِ والعلمُ في الشرعِ، وعنْ صاحبِ الورعِ والتقوَى الذيْ يقومُ بالعملِ بأمانةٍ وصدقٍ فإنَّ هذا أرجَى فيْ القبولِ عندَ اللهِ سبحانه وتعالى.

وفيْ هذَا الزمنِ نجدُ بعضَ الناسِ يشتغلونَ بتجارةِ جمعِ النياباتِ بالعشراتِ وربمَّا بالمئاتِ، وهذَا مِنْ صورِ طلبِ الدنيِا بالدينِ التي لا تليقُ كما مرَّ معنا منْ خلالِ كلامِ الغزالي، ولا يليقُ بمتدينٍ أنْ يتخذَها تجارةً وكسباً ومصدرَ عيشٍ يطعمُ منهُ أهلَه بغضِّ النظرِ عنْ الحلِّ والحرمةِ، لاسيما وأنَّ منْ يعطي لكَ مبلغَ الإنابةِ يريدكَ أنْ تؤديَ أنتَ الفرضَ عنهُ أوْ عنِ وليهِ الميتِ ثقةً بدينكَ أنتَ وليسَ بمنْ تنيبُ لهُ أنتَ وتتكسبُ منهُ منْ حيثُ لا يشعرُ.

([1]) قسم العلماء العبادات على ثلاثة أقسام؛ مالية بحتة كالزكاة وقالوا: تجوزُ النيابةُ في العباداتِ المالية مطلقاً معَ القدرةِ أو العجزِ لأنَّ المقصودَ يحصلُ بفعلِ النائبِ، فالعبرةُ لنيةِ الموكلِ لا نيةِ الوكيلِ، وبدنية بحتة كالصلاة والصوم وقالوا بعدم جواز الإنابة فيها إلا بدليل، ومشتملة على المالية والبدنية كالحج، وقالوا: يجوزُ عندَ العجزِ لحصولِ المشقةِ بتنقيصِ المالِ؛ ولا يجوزُ معَ القدرةِ لعدمِ إتعابِ النفسِ.

([2]) ابن نجيم، ملتقى الأبحر 1/455.

([3]) رواه البخاري، كِتَاب الاسْتِئْذَانِ، بَاب بَدْءِ السَّلامِ، حديث رقم 5874 .

([4]) ابن عبد البر، الاستذكار 4/164.

([5]) رواه البخاري، كتاب الحج، بَاب الْحَجِّ وَالنُّذُورِ عن الْمَيِّتِ وَالرَّجُلُ، حديث رقم 1754.

([6]) فتح الباري شرح صحيح البخاري، 4/66.

([7]) يفرق الحنفية بين الحج الواجب كحج النذر؛ والحج المفروض وهو حجة الإسلام وذلك لأن دليل الأول ظني ودليل الثاني قطعي.

([8]) على هذا الكلام لا يجوز لمن كان ثلث تركته كافيا بالإحجاج من بغداد مثلا أن ينيب من مكة بتكاليف أقل، ويجوز ذلك إذا كان الثلث لا يكفي.

([9]) عمدة القاري 10/213.

([10]) أي الحبس عن الحج والمنع منه لأي سبب، ومن أحصر عليه دم ثم يقصر ويتحلل.

([11]) انظر: حاشية ابن عابدين 2/596.

([12]) الاستذكار 4/168.

([13]) المجموع 7/79.

([14]) المغني 5/325.

([15])  انظر: الاستذكار 4/168.

([16]) انظر: إحياء علوم الدين 1/262.

([17]) إحياء علوم الدين (مصدر سابق) 1/262.

([18]) الذي يحج عن غيره ولم يحج عن نفسه، وهو وإن جاز له الحج عن الغير وصح منه إلا أنه يصير واجباً عليه عند رؤية الكعبة الحجُ لنفسه وعليه أن يتوقف إلى عام قابل ويحج لنفسه أو أن يحج بعد عوده إلى أهله بماله وإن كان فقيرا.


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه