04 / 12 / 2022

الشيخ العلامة بشير الصقال شاعرا

بقلم: إبراهيم النعمة

في أمتنا رجال تتعطر الدنيا بذكرهم، وتتشرف البشرية بهم، ويحق لكل واحد منا أن يفخر ويتفاخر بهم وأمثالهم، فهم قرة عين المخلصين، قدموا ما يستطيعون تقديمه من أجل مجتمعنا، وتحملوا التعذيب والاضطهاد والأذى وظلوا صابرين محتسبين يعملون على إنهاض أمتهم من رقادها، ثم طواهم النسيان فما عاد يذكرهم أحد.!

من هؤلاء عالم فاضل وشاعر مطبوع، وأديب عرف ببيانه وبلاغته، أدهش العراقيين – وبخاصة الموصليين منهم – بمحاربته للمستعمرين الإنكليز وغيرهم ، فآذوه برزقه وفصلوه من وظائفه واضطهدوه وسجنوه فلم تلن له قناة ، وآذاهم بلسانه وخطبه وقصائده ومقالاته .

وقد تسأل – أخي القارئ – من هذا الذي هذه صفاته؟

إنه علامة الموصل وشيخها بشير الصقال أمطر الله قبره بشآبيب رحمته.!

لقد تتلمذت على يد شيخنا الصقال، وعرفت أنه كان شاعراً مجيداً، وله عدد غير قليل من القصائد الرائعة التي نشرت في الصحف والمجلات العراقية والسورية والفلسطينية والمصرية.

وقد أثنى على تلك القصائد كبار الشعراء والأدباء منهم (الشاعر محمد رضا الشبيبي)، فوق ثناء (أمير البيان شكيب ارسلان) على مقالاته التي نشرها في الصحف والمجلات، وكذلك الأديب الكبير (محب الدين الخطيب) في مراسلاته معه. فقد كان شيخنا صاحب بيان وبلاغة في شعره وخطابته، ومقالاته تحمل عواطف جياشة في المجالات: الدينية والسياسية والاجتماعية والادبية …

نبذة عن حياته

هو الشيخ الفاضل العلامة بشير بن أحمد بن عز الدين.

ولد في الموصل عام ١٩٠٦ ولم يتجاوز عمره خمس سنوات حتى أرسله والده إلى (الكُتاب) ليتعلم هناك تلاوة القرآن الكريم، ثم تعلم القراءة والكتابة في المدارس العثمانية إلى الصف السادس الابتدائي، لكنه لم يستمر في تلك الدراسة فآثر أن يدرس العلوم الاسلامية والعربية على علماء الموصل، فدرس على عدد منهم، وكان من أبرزهم (الشيخ عبدالله النعمة) الذي تأثر به وبمنهجه في الدراسة، وحصل عنه على الإجازة العالمية عام (١٣٤٩) للهجرة في احتفال بهيج أقيم بتلك المناسبة.

وعُين مدرسا في (مدرسة الأحمدية) الوقفية في الموصل، وتخرج على يديه عدد كثير من العلماء. وعُين فيها في السنة نفسها خطيبا في (جامع الأغوات) في الموصل. وانتخب عضوا في مجلس النواب عن مدينة الموصل عام ١٩٣٧.

شعره

كان شيخنا الصقال شاعرا مجيداً، وهو – في الوقت نفسه – يعد من الأدباء ، ومن العلماء الذين تمكنوا في العلوم الشرعية العقلية منها والنقلية.

وأقصر الحديث هنا على شعره فقط، أما عن مستواه العلمي الرفيع وتدريسه طلبة العلم، فلعل الله عز وجل ييسر أن أتحدث عنه في مقالات قابلة.

لقد ظهر عند شيخنا قول الشعر في السنوات الأولى من شبابه، وكانت عواطفه مشبوبة، وقد حباه الله ذوقاً سليماً وأذناً موسيقية. فكان يتخير في قصائده من الألفاظ أجزلها، ومن المعاني المبتكرة أروعها، وينظم القصيدة ويحسن صياغتها؛ ويسبكها فيحسن السبك؛ وقد تناول كثيرا من أغراض الشعر في قصائد منها: الوطنيات، والاجتماعيات، والوجدانيات؛ والمديح، والمراثي، وغير ذلك؛ بيد أن الشعر الوطني هو الغالب في قصائده. فكان يصور آلام الأمة في شعره، ومآسي العالم العربي -وبخاصة مآسي العراق والاحتلال الانكليزي له – ويستثير النخوة للدفاع عن عرين الأمتين العربية والإسلامية، وما كان يقول الشعر في كثير من المناسبات والاحتفالات إلا بعد أن يضيق به الوقت ولم يبق على بدء الاحتفال إلا ما يقرب من ساعة ، فعند ذاك يصيبه الحرج الشديد، فكان يتصبب عرقا في اليوم الشديد البرودة وما أن يبدأ بالنظم حتى تنهال عليه القصيدة وكأنه قد حفظها من قبل، ويقوم بإلقائها؛ فتنال إعجاب الناس وتنشر في الجرائد .

أهم الجوانب التي يطرقها شعره

ومن أهم الجوانب التي كان يطرقها شعره: الدعوة إلى إخراج المحتلين الانكليز الذين استعمروا العراق وغيره من البلاد العربية. وهذا أنموذج من شعره يمثل قصيدة قالها في احتفال (الجامع الكبير) في الموصل، ونشرتها جريدة (فتى العراق) الموصلية عام ١٩٣٠، احتجاجا على تصلب الحكومة البريطانية في العراق في عدم تنفيذها الوعود التي وعدت بها، ومنها :

أأقطاب الدسائس والدنايا
متى حل اغتصاب حقوق قوم
تحالفتم على الإخلاص عهداً
فكان الوعد وعدكم وعيدا
نناشدكم بمَ أستحللتمونا
لقوم أصبحوا مستضعفينا
وأقسمتم على أن تنصفونا
وإرهاقا وتشتيتا ومينا

ثم يقول بعد ذلك :

  بني وطني بني وطني استعدوا
وشدوا من عزائمكم وإلا
دعوا التسويف فالتسويف داء
ولا تلووا الرقاب إلى كبير
وصونوا المجد والتاريخ حفظا
فقد أنذرتكم نارا تلظّى
فعار أن نقيم الذل فينا
ذهبتم طعمة المتكالبينا
يميت عواطف المتكاتفينا
يحاول متعة المتحكمينا
بأرواح الثقات المخلصينا
وقد اسمعتكم لو تسمعونا

وكثيرا ما كان يذكر الناس بأمجاد الأمة الإسلامية، ويستنهض همم الشباب وبخاصة على الإقتداء بتلك الأمجاد، لأن ذلك المجد لم يأت إلا بالعمل الجاد المتواصل وعدم القعود.

وإذا أراد أحد السموّ لأمته، فلا بد أن يسلك هذا المسلك الرفيع، إذ الآمال – وحدها – لا تبنى مجداً من غير عمل ، فيصدح بقوله :

متى تصحو مشارقنا إلى ما
هي الذكرى تؤرقني فتأبى
تذكرني طليطلة وملكا
وتونس وهي خضراء المعالي
وحتى ما نقول إذا علاما
عليّ جوانحي في أن تناما
على اعتاب قرطبة تسامى
وبغداد المعارف والشآما

وفي القصيدة نفسها يصف أحوال العراق وما أصابه من خراب وكيف ضاعت الأرامل وضاع اليتامى فيقول:

تضاع به الأرامل حاسرات
وقد أضحت مصانعه يبابا
تضوع بأربع فيه الرزايا
كما ضاعت بساحته اليتامى
كما أمست مصائبه ركاما
على أحراره عاما فعاما

ولقد قسمت (اتفاقية سايكس بيكو) البلاد العربية، وجعلت لكل دولة حدودها وذلك سنة ١٩١٦، فيقول في هذه الاتفاقية:

أنا إن أطلت ولست أول من شكا
أجزاء هذا الجسم قد فتكت به
قالوا: أساليب التمدن في الورى
قتل التمدن كم تهتك باسمه
غبن العراق، فهل أكون ملاما
كف السياسة شرّة وعراما
يقضي بأن تتجزأوا أقساما
متأثمون وكم أحلوا حراما

ولما كان تجار الحروب يعملون على زيادة ثرواتهم على حساب دماء الأبرياء، وهم كلما ازداد فقر الناس ازداد ثراؤهم، فيقول في هؤلاء النفر وأمثالهم :

أثريت في زمن جهاله ارتفعوا
عاشوا على هامش الدنيا فما ارتفعوا
لا تسأل الحظ عن أسرار رفعتهم
واصبر عليهم إذا ساءتك صحبتهم
العز والجاه والدنيا لهم تبع
إلا بما أكلوا منها وما نفعوا
فحسبهم أنهم في الجهل قد برعواغدا يواري تراب الأرض ما جمعوا

أما بعد:

فهذه شذرات قليلة من الشعر الوطني لشيخنا الصقال. ولعل طالباً في الدراسات العليا لنيل درجة (الماجستير) أو (الدكتوراه) يظهر عبقرية هذا الشيخ الجليل في الشعر أولا، وفي أدبه ثانياً ومقالاته كثيرة، ولعل من المؤرخين من يدرس حياته السياسية، وأهل الموصل هم أولى بذلك، لوجود رجال معمّرين يعرفون أكثر مما يعرفه غيرهم.


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه