08 / 04 / 2014

اللحظات الأخيرة قبل وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم...

د. بكر عثمان احمد

قبل الوفاة كانت اخر حجة للنبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع

وبينما هو هناك ينزل قول الله – عز وجل – : ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً)) (سورة المائدة :3)

فبكى ابو بكر الصديق رضى الله عنه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (( ما يبكيك في الآية)) فقال : ((هذا نعي رسول الله عليه الصلاة والسلام)).

ورجع الرسول من حجة الوداع وقبل الوفاة بتسعة ايام نزلت اخر آية في القرآن : ((وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ )) (سورة البقرة : 281) . وبدأ الوجع يظهر على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : اريد ان ازور شهداء احد، فذهب الى شهداء احد ووقف عند قبورهم وقال: السلام عليكم يا شهداء احد انت السابقون ونحن ان شالله بكم لاحقون واني بكم ان شالله لاحق . وهو راجع بكى الرسول فقالوا: (( ما يبكيك يا رسول الله)) قال: (( اشتقت لأخواني)) قالوا: ((اولسنا اخوانك يا رسول الله )) قال: ((لا انتم اصحابي اما اخواني فقوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولا يروني )).

وقبل الوفاة بثلاثة أيام بدأ الوجع يشتد عليه وكان ببيت السيدة ميمونة فقال صلى الله عليه وسلم : ((اجمعوا زوجاتي )) فجمعت الزوجات فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((أتأذنون لي ان امر ببيت عائشة )) فقلن : (( آذنا لك يا رسول الله)). فأراد ان يقوم فما استطاع فجاء علي بن ابي طالب والفضل بن العباس فحملوا النبي فخرجوا به من حجرة السيدة ميمونة إلى حجرة السيدة عائشة ولما رأى الصحابةُ رسول الله محمولاً على الايدي تجمعوا  وقالوا: (( ما لرسول الله ما لرسول الله )) وتبدأ الناس تتجمع بالمسجد ويبدأ يمتلئ بالصحابة ويحمل النبي إلى بيت عائشة فيبدأ الرسول يعرق ويعرق ويعرق وتقول السيدة عائشة : (( انا لم ارً أي انسان يعرق بهذه الكثافة )) فتأخذ يد الرسول وتمسح عرقه بيده ، ( فلماذا تمسح بيده هو وليس بيدها) تقول عائشة: ((ان يد رسول الله اطيب واكرم من يدي فلذلك امسح عرقه بيده هو وليس بيدي انا)) (فهذا تقدير للنبي).

تقول السيدة عائشة فأسمعه يقول: ((لا إله الا الله ان للموت لسكرات، لا إله إلا الله ان للموت لسكرات)) فكثر اللفظ أي (بدأ الصوت داخل المسجد يعلو) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما هذا؟)) فقالت عائشة: ((ان الناس يخافون عليك يا رسول الله)) فقال صلى الله عليه وسلم : ((احملوني إليهم)) فاراد ان يقوم فما استطاع، فصبوا عليه سبع قرب من الماء لكي يفيق فحمل النبي وصعد به الى المنبر .

فكانت اخر خطبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

واخر خطبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم واخر كلمات لرسول الله صلى الله عليه وسلم واخر دعاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال النبي : ((ايها الناس كأنكم تخافون علي)) قالوا: ((نعم يا رسول الله)) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ايها الناس موعدكم معي ليس الدنيا، موعدكم معي عند الحوض، والله ولكأني انظر اليه من مقامي هذا، ايها الناس والله ما الفقر اخشى عليكم ولكني اخشى عليكم الدنيا ان تتنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم فتهلككم كما اهلكتهم)) ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((ايها الناس الله الله بالصلاة الله الله بالصلاة)) تعني (حلفتكم بالله حافظوا على الصلاة) فظل يرددها ثم قال: ((ايها الناس اتقوا الله في النساء، اوصيكم بالنساء خيراً)) ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((ايها الناس ان عبداً خيّره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله)) فما احد فهم من هو العبد الذي يقصده فقد كان يقصد نفسه ان الله خيّره ولم يفهم سوى ابو بكر الصديق وكان الصحابة معتادين عندما يتكلم الرسول يبقوا ساكتين كأنه على رؤوسهم الطير فلما سمع ابو بكر كلام الرسول لم يتمالك نفسه فعلا نحيبه (البكاء مع الشهقة) وفي وسط المسجد قاطع الرسول وبدأ يقول له: ((فديناك بأبائنا يا رسول الله فديناك بأمهاتنا يا رسول الله فديناك بأولادنا يا رسول الله فديناك بأزواجنا يا رسول الله فديناك بأموالنا يا رسول الله)) ويردد ويردد فنظر الناس إلى ابو بكر شزراً (كيف يقاطع الرسول بخطبته) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ((ايها الناس فما منكم من احد كان له عندنا من فضل الا كافأناه به إلاّ أبي بكر فلم استطع مكافأته فتركت مكافأته إلى الله – تعالى عز وجل – كل الابواب إلى المسجد تسد إلاّ باب أبي بكر لا يسد ابدا .

ثم بدأ يدعي لهم ويقول آخر دعوات قبل الوفاة : (( رعاكم الله حفظكم الله نصركم الله ثبتكم الله ايدكم الله حفظكم الله )) واخر كلمة قبل ان ينزل عن المنبر موجهة للأمة من على منبره : (( ايها الناس اقرؤوا مني السلام على من تبعني من امتي إلى يوم القيامة )) وحُمل مرة اخرى إلى بيته .

دخل عليه وهو بالبيت عبد الرحمن ابن أبي بكر وكان بيده سواك فظل النبي ينظر إلى السواك ولم يستطع ان يقول اريد السواك فقالت عائشة : (( فهمت من نظرات عينيه انه يريد السواك فأخذت السواك من يد الرجل فأستكت به (أي وضعته بفمها) لكي الينه للنبي واعطيته اياه فكان اخر شي دخل إلى جوف النبي هو ريقي)) (ريق عائشة) فتقول عائشة: كان من فضل ربي عليّ انه جمع بين ريقي وريق النبي قبل ان يموت .

ثم دخلت ابنته فاطمة فبكت عند دخولها بكت ؛ لأنها كانت معتادة كلما دخلت على الرسول وقف وقبلها بين عينيها ولكنه لم يستطع الوقوف لها فقال لها الرسول: (( ادنِ مني يا فاطمة)) فهمس لها بأذنها فبكت ثم قال لها الرسول مرة ثانية: ((ادنِ مني يا فاطمة )) فهمس لها مرة اخرى بأذنها فضحكت فبعد وفاة الرسول سألوا فاطمة : (( ماذا همس لك فبكيتي وماذا همس لك فضحكت!)) قالت فاطمة: ((لأول مرة قال لي يا فاطمة اني ميت الليلة فبكيت! ولما وجد بكائي رجع وقال لي: انت يا فاطمة اول أهلي لحاقاً بي فضحكت …

ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (( اخرجوا من عندي بالبيت )) وقال عليه الصلاة والسلام : ((ادنِ مني يا عائشة )) ونام على صدر زوجته السيدة عائشة فقالت السيدة عائشة: (( كان يرفع يده للسماء ويقول (بل الرفيق الاعلى بل الرفيق الأعلى) فتعرف من خلال كلامه انه يُخّير بين حياة الدنيا او الرفيق الأعلى ))

فدخل الملك جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال : (( ملك الموت بالباب ويستأذن ان يدخل عليك وما استأذن من احد قبلك)) فقال صلى الله عليه وسلم له : (( آذن له يا جبريل)) ودخل ملك الموت وقال: (( السلام عليك يا رسول الله أرسلني الله اخيرك بين البقاء في الدنيا وبين ان تلحق بالله )) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( بل الرفيق الاعلى بل الرفيق الاعلى)) وقف ملك الموت عند رأس النبي صلى الله عليه وسلم (كما سيقف عند رأس كل واحد منا) وقال: (( ايتها الروح الطيبة روح محمد بن عبدالله اخرجي إلى رضى من الله ورضوان ورب راضي غير غضبان .

تقول السيدة عائشة: (( فسقطت يد النبي وثقل رأسه على صدري فقد علمت انه قد مات)) وتقول : ((ما ادري ما افعل فما كان مني إلاّ ان خرجت من حجرتي إلى المسجد حيث الصحابة وقلت :

مات رسول الله مات رسول الله مات رسول الله فانفجر المسجد بالبكاء فهذا علي إبن أبي طالب أُقعد من هول الخبر، وهذا عثمان بن عفان كالصبي يأخذ بيده يميناً ويساراً وهذا عمر بن الخطاب قال: اذا احد قال انه قد مات سأقطع راسه بسيفي انما ذهب للقاء ربه كما ذهب موسى للقاء ربه اما أثبت الناس كان ابو بكر – رضى الله عنه- فدخل على النبي وحضنه وقال : واخليلاه واحبيباه واابتاه وقبّل النبي وقال: طبت حياً وطبت ميتاً فخرج ابو بكر – رضى الله عنه –  إلى الناس وقال: من كان يعبد محمد فأن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فان الله باقٍ حي لا يموت ثم خرجت ابكي وابحث عن مكان لأكون وحدي وابكي لوحدي .


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه