21 / 08 / 2013

المكارم منوطة بالمكاره

يظن بعض الناس ان السعادة هي ان يعيش الإنسان حياة صافية من كل كدر او لا يصادفه منغّصات او لا تصيبه مصيبة او لا يتعرض  لفتنة وهذه لابد منها فهي كالملح في الطعام! ثم ان طبيعة هذه الحياة الدنيا انها طبعت على كدر فهي لاتصفو لأحد، ولاتدوم لمخلوق.

سمع الحسنُ البصري رحمه الله رجلاً يقول لآخر: لا اراك الله مكروهاً ابداً. فقال له: دعوت الله له بالموت! فإن الدنيا لاتخلو عن المكروه!.

وقد وصف الله تعالى حياة ابن آدم فقال: ((لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ )) البلد: ٤ فهو في مشقة ومكابدة في دنياه، كما قال بعض المفسرين.

اذاً..ماهي الحياة الطيبة؟ وكيف توجد السعاده؟

اختلفت عبارات السلف حول معنى الحياة الطيبة.

قال ابن عباس رضي الله عنه: هي الرزق الحلال.

وقال الحسن رضي الله عنه: هي القناعة.

وقال مقاتل بن حيان رحمه الله: يعني العيش في الطاعة.

وقال ابو بكر الوراق رحمه الله: هي حلاوة الطاعة.

وقال الإمام البيضاوي رحمه الله:(( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) النحل: ٩٧ في الدنيا يعيش عيشا طيبا، فإنه ان كان موسراً فظاهر، وان كان معسراً يطيب عيشه بالقناعة والرضا بالقسمة وتوقّع الاجر العظيم.

وقال شيخ الاسلام رحمه الله: من اراد السعادة الابدية فليلتزم عتبة العبودية.

وعلى كلًّ هي: حياةُ قلبٍ مؤمن بالله، راضٍ بقضائه، مستسلم لحكمه، واثق بوعده.

والحياة الطيبة ربما يعيشها المؤمن وهو لايشعر بها، وربما لايجد لذتها.

كيف؟

ربما عاش المؤمن راحة البال، ووجد الامن النفسي، لايزعجه المستقبل، ولايقلقه ما في الغد.

الأمن النفسي من اعظم مايمنّ الله به على عبده المؤمن. ولذا قال تعالى: ((الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ))الأنعام: ٨٢.

ليس فقط الأمن الاجتماعي في الاوطان، بل حتى الأمن النفسي في نفوس المؤمنين وهذه يفسر لنا سر سعادة الكافر إذا اسلم، اذا وجد ما كان يفتقده، وعاش لذة الطاعة، وخالطت قلبه بشاشة الايمان.

ويظهر لنا بجلاء كيف عاش بعض السلف في لحظة مقتله!  قال حرام بن ملحان (رضي الله عنه) لما طعنه الكافر الغادر: فزت ورب الكعبة: فكان الكافر الغادر يتساءل: اي فوز فازه وانا قتلته؟!

فالسعادة ليست كأس وغانية!

وليست مال وجارية!

ولا في المراكب الفارهة!

ولا في القصور العامرة!

وانما هي بطاعة الله جل جلاله.

ويبين لنا هذا ان من العلماء من وضع في السجن والقيد، فما يزيد على ان يبتسم!

لقد كان يتذوق طعم السعادة! ويعتبر السجن خلوة! والقيد وسام فخر!

يرى الدنيا بعين مؤمن راضٍ بقضاء الله، يجد حلاوة الايمان في قلبه؛ ولا سبيل للوصول الى قلبه!

يُدفع بالإمام احمد بن حنبل رحمه الله الى السجن، فما يرده ذلك عن مبادئه، ولا يزحزحه عن مواقفه، يُضرب بالسياط فما يشكو ولا يئن.

لقد مزج مرارة الالم بحلاوة الايمان فطغت حلاوة الايمان.

ان بعض الناس يشكو انه لايعيش الحياة الطيبة في حين انه يعمل الاعمال الصالحة، وهو أهنأ ما يكون في عيش وصحة وأمن ورخاء.

وهذا ربما توجد عنده صورة العمل، ولا توجد حقيقة العمل.

والفرق بينهما كما بين الثرى والثريّا.

ان الرجلين ربما صلّيا الى جوار بعض، وبينهما في صلاتهما كما بين المشرق والمغرب!

فرجل قلبه يحوم حول العرش يسبح بحمد ربه، وآخر يحوم حول مطامعه!!

ويقولون:  ان هذه القلوب جوّالة؛ فمنها ما يجول حول مكارم الأخلاق، ومنها ما يجول حول منكرات الأخلاق. فيا بعد ما بينهما.. والله لا يستويان في شيء.

فمن صلى بقلبه نهته صلاته، ورفعت درجاته، وكفرت سيئاته.

ومن صلى ببدنه اجزأته!

فمن تعلق قلبه بالله، ملاه الله عنى ورضا وطمأنينة.

ومن تعلق بغيره وكل اليه ((تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخصيمة))

قال ابن القيم رحمه الله:

نزه سماعك ان اردت سماع ذيّاك الغنا عن هذه الالحانِ

لاتؤثر الادنى على الاعلى فتحرم ذا وذا ياذلة الحرمانِ.

ان اختيارك للسماع النازل الادنى على الاعلى من النقصانِ

 والله ان سماعهم في القلب والايمان مثل السمّ في الابدانِ

 والله ما انفكّ الذي هو دأبه أبداً من الاشراك بالرحمنِ

 فالقلب بيت الرب جل جلاله حبا واخلاصا من الاحسانِ

 فإذا تعلق بالسماع أصاره عبداً لكل فلانة وفلانِ

 حُب الكتاب وحب ألحان الغناء في قلب عبد ليس يجتمعانِ

 ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقييده بشرائع الايمانِ

 واللهو خف عليهم لما رأوا ما فيه من طرب ومن ألحانِ

 قوت النفوس وانما القرآن قوت القلب أنى يستوي القوتانِ؟

 وألذّهم فيه أقلهم من العقل الصحيح فَسَل اخا العرفانِ

 يا لذة الفساق ليست كلذّة الابرار في عقل و لا قرآنِ

 فان اردت المكارم فتحمل المكاره وان اردت السعادة الابدية فالزم عتبة العبودية والله يتولاك.


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه