12 / 03 / 2015

تشكون من أوضاعكم ؟ غيِّروا أنفسَكُم!

د.انس يونس الجنابي

يتساءل النَّاسُ والحيرة تعلو محياهم متى يحصل التغيير؟ سؤال أرق الناس وأتعبهم الخوض والتفكير فيه، فضلا عن مرادفات هذا السؤال وتفرعاته، إذ تجد الآراء تتدافع وتتقاطع وتتصادم وكل يدلو بدلوه بما يراه صحيحا، وكل ينطلق من قناعات وأفكار تولدت من إيمانه بتوجه ما ،أو حبه وكرهه لجهة أضرت بمصالحه ،او مصلحة فرضها ظرفاً معيناً توافقت مع ما يشتهي ويصبو بغض النظر عن اعتقاده وقناعاته التي يخفيها ويدخرها ليوم قد يحتاجها فيه ،وما أكثر هذا النوع من البشر في وقتنا الحاضر.؟

الانتقاد سهل جدا والتنظير صديق للانتقاد في هذه الأحوال لا يمكن لأحدهما الاستغناء عن الآخر، فمتى ما حضر الاول تجد الثاني متأهبا ينتظر الاشارة للولوج بموضوع النقاش، ليكون خير ظهير لإكمال الفكرة التي طرحت لتحميل فلان او الجهة التي اتُهمت بتردي اوضاعنا.أنا هنا لست بصدد الدفاع عن جهة ما ، بل احاول وضع اصبعي على الجرح النازف الذي ما برء يؤرق حياتنا ويحيل مستقبلنا الى كومة من الرماد . فلا حاجة لتفصيل ما وصل إليه حالنا ، الذي لا يغيب على من لديه قلب يوجهه عقل يريد الخروج من هذا الحال. نادراً ما سمعت او رأيت شخصا ينتقد نفسه او يلقي باللائمة عليها على ما وصل إليه حالنا في العراق ، وعندما أقول شخصاً؛ فإني أعني هذه الكلمة بكل تفاصيلها ولا أستخدمها في هذا المكان للتورية عن جهة، أو حزب، أو قبيلة، أو أي عنوان جامع ،فالشخص هو اللبنة التي يقام منها واقعنا الذي نرجو تغييره ،ومتى ما صلحت ابشروا بالذي يسر نفوسكم وتطيب به خواطركم وتصلح فيه دنياكم ومن ثَمَّ الفوز بآخرتكم .بالمقابل أجد سيلا من التهم والحلول التي لاحَظَّ لصاحب الرأي في جعل نفسه جزءا من الحل بل يحاول النأي بنفسه بعيدا عن كل ما يعكر صفوها ،أو يحملها جزءاً ولو يسيراً من مسؤولية التغيير التي يتعب ذهنه جاهداً في ايجاد الحلول التي تفتقت به قريحته لإيجاد الحل السحري المنشود.فنرى هذه الحلول غالبا ما تحوي وصفات لأشخاص او عناوين يظن فيها صاحب الحل ان الشخص او الجهة المكلفة بالحل يجب ان تطبق هذه الوصفة حسب توجيهاته كطبيب حاذق يصف دواءا لمريضٍ أضناه المرض، وأنهكته كثرة المراجعات لأطباء قليلي خبرة جعلوا من جسده حقل تجارب لأدويتهم ووصفاتهم.نحن هنا لا ننتقص من رأي ولا نستهين بفكرة ولا ننكر حلا ولكن نشترط على صاحب الرأي ان يكون جزءا من الحل، ليكون له حظ من المشاركة او تحمل جزء من المسؤولية . عند ذلك سوف ترون التغيير الذي تنشدون. قد ينكر علي الكثير هذا الامر معللا ان اغلب الناس ليس لهم من الامر شيء لقلة حيلتهم او لانشغالهم بظروف حياتهم او للظلم المحيط بهم والذي يبررون فيه تفكيرهم الذي ينحصر في تامين عوائلهم وانفسهم من جور هذا الظالم ، الا ان ما جرى والذي نعيشه الآن وما سيجري -اذا بقي الناس على هذا الحال- سيضاعف من معاناتهم وسيزيد من الآمهم بل سيورثون هذا لأبنائهم وسيخيرون بين أمرين، اما الرضا بالذل، او تغيير المعتقد .وهما أمران أحلاهما مر. حالنا يحتاج الى الصبر ويحتاج الى المبادرة فما نمر به هو امتحان ليلقي الله الحجة على الناس لكي يميزوا بين الخبيث والطيب وليتضح لهم مُدَّعيُ الإيمان من الصادق ، فالكل يقولون: إننا مؤمنون ،ولتمييز المؤمن وجب الامتحان ووجب الابتلاء ،وبما ان سلعة الله غالية ولا يعطيها الا لمن ارتضى ،كذلك امتحانه فهو صعب يتطلب أحيانا التضحية بالنفس، والمال ،والولد، وعلى قدر التضحية والصبر تأتي الثمار ، فمنها ما نتذوقه في هذه الحياة ومنها وهو الاعظم ما وعدنا به الله في جنة عرضها السماوات والأرض. ابدأوا بالتغيير من أنفسكم وحاسبوها قبل ان تُحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن تُوزن عليكم ، ولا تستهينوا بمسؤولياتكم أو أعمالكم أو وظائفكم ، بل حتى العاطلين عن العمل منكم لهم دور يقومون به مع أنفسهم أولاً ومع أسرهم ثانياً ، ومع أماكن عملهم ثالثا ، ومجتمعهم، ومناطقهم التي يسكنونها رابعا ، وهذا الكلام ينطبق على كل شخص راشد ذكرا كان ام انثى، وتتفاوت المسؤوليات كل حسب قدرته وطاقته ، الا انه لا يعفي أحداً من تحمل مسئولياته لا تقولوا بعد اليوم ليس هذا من شأني ، ولا استطيع ان افعل شيئا ، اصدقوا مع الله يغير الله مابكم ويغير حالكم من حال الى افضل حال ،غيُر نفسك أخي ، أختي، اصدق بتعاملك مع الناس وأدِ الحقوق التي عليك ولا تعطي الدنية في دينك ، اذا كنت تريد اصلاح حالك ليس لك الا هذا ،غيروا انفسكم ياناس أدوا أمانتكم اتقوا الله في دينكم وأنفسكم وأهلكم فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته وسوف تحاسبون على مسؤولياتكم مهما صغرت قال تعالى: ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)) . هذا الكلام أوجهه لنفسي أولاً ، ولمن يبحث عن تغيير واقعه ، قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ))


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه