14 / 08 / 2014

سعادة القلوب في قراءة القران

د. علي شفيق

قال – تعالى – : ((اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)) (سورة الزمر الآية : 23).

هذا هو كتاب الله اختاره الله – جل وعلا – دستوراً ومنهاجاً لهذه الامة هو الحق ليس بالباطل وهو الجد ليس بالهزل ، لايأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه تنزيلاً من عزيز حميد.

ما أُنزلَ هذا القرآن حتى انكب عليه الناس يقرأونه آناء الليل ، وأطراف النهار ، لجميل نظمه وعذوبة ألفاظه ، اما قريش فاعرضت وتكبرت على دين الله ، مع علمها انه الحق منعها الِكبْرُ والغرور من أن تؤمن بدين الله .

ولكن هذا القرآن سحر منهم الألباب ، وهيج فيهم المشاعر ؛ لتناسق آياته وروعة كلماته كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أذا قرأ القرآن عند بيت الله ، تجمع من حوله قريش يستمعون لهذا القرآن ويبكون . وكانوا لا ينامون أذا سمعوا القرآن ؛ لأن القرآن نزل بلغتهم فصيحاً بليغاً فيه قصص الأولين والآخرين ، وفيه ما أعد الله من نعيم مقيم لمن آمن به واتبع هداه – وفيه ما اعد الله لمن أعرض عنه واتبع هواه. قال – تعالى – : ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)) (سورة طه).

ما اُنزل هذا القرآن وصار يُتلى أناء الليل وأطراف النهار ، واذا بقريش تُعلن التحدي على الله. وتقول نستطيع ان نأتي ونقول مثل هذا القول . قال الله – تعالى- : ((وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ)) (سورة الانفال الاية:31).

فتحداهم الله من ان يأتوا بمثل هذا القرآن فما استطاعوا . وتحداهم من ان يأتوا بعشرِ سور مثله فما استطاعوا وتحداهم من ان يأتوا بآية فما استطاعوا، مع انهم كانوا من ارباب الفصاحة والبلاغة ، وكان فيهم جهابذة العلم واساطين الكلام ، فما استطاعوا.

سمع به الوليد بن المغيرة وكان مشركا فقال لقريش: ان الذي سمعت ليس من كلام البشر ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وانه لمثمرٌ أعلاه مغدق أسفله وانه ليعلو ولا يُعلى عليه وسمع عتبة عندما قرأ عليه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ((حم (1) تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) (سورة فصلت).

حتى وصل الى قوله – تعالى – : ((فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ)) (سورة فصلت الآية / 13).

فقال عتبة : يامحمد ناشدتك الرحمن ناشدتك القرابة ، ثم قال عتبة لقريش خلوا بينكم وبين الرجل وبين ما يريد فأن الذي سمعت سيكون له أمرٌ عظيم ، فأن آمنت به العرب فعزه عزكم وان قتلوه فذلك ما تريدون.

بفضل هذا القران دخل الناس دين الله افواجاً هذا القرآن قسم الناس الى شقيٍّ ، وسعيدٍ حمله الصحابة في صدورهم فوصلوا مشارق الارض ومغاربها بهذا النور القرآني وبالإرشاد المحمدي يكون مثل سعد بن ابي وقاص قائدا من اعظم قواد الدنيا يهد بجيش قليل اقوى صرح للجور، واعظم بنيان للغطرسة والجبروت ، ويدمر اعظم جيش مدرب كامل العدة والعدد ، ويغرس في القادسية مكان الاستعلاء الفارسي بذور الحضارة الاسلامية التي عقمت الدنيا ان تأتي بأجمل وأنضر وانور منها. بهذا النور القرآني وبالإرشاد المحمدي يكون مثل خالد بن الوليد فذا بين اعاظم قواد الدنيا قديمهم وحديثهم لا يجاريه احد ، ويستطيع بجيش لا يتجاوز الست وثلاثين الفا ان يقوض جيش الروم الذي يتجاوز مائتي الف مقاتل في اليرموك ويقضي نهائيا على الامبراطورية الرومانية في الشرق ، ليحل محلها نور الاسلام ، وعدل القرآن ، وهداية خير الانام ، ومساواة الانسان للانسان .

هذا هو القران ان كتاب الله هذا القران يدعونا الى اعداد العدة قال الله – تعالى – : ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)) (سورة الانفال الآية :60).

الصحابة الكرام من المهاجرين والانصار اولئك السلف الصالح هم قدوتنا وهم اسوتنا كانوا يدي رسول الله صلى عليه وعلى آله وصحبه وسلم وكانوا يدافعون عنه وكانوا يفدونه بأرواحهم ، فمن اجل رسول الله كانت ترخص الارواح ومن اجله كانت تبذل المهج.

فهذا ابو طلحة صحابي جليل كان يقدم روحه رخيصة بين يدي رسول الله ، ففي معركة احد يقول ابو طلحة : بعد ان تجمع حولنا الاعداء نشرت كنانتي وحملت قوسي ورسول الله خلفي افديه بنفسي ، وانا أرميهم ورسول الله ينظر من خلفي الى حيث يقع نبلي وانا اتطاول امامه مخافة ان يقع فيه سهم واقول له نفسي لنفسك الفداء ووجهي لوجهك الوقاء فكان يمر بنا الرجل ومعه كنانته فيقول له رسول الله انشرها لابي طلحة فكسرت في يدي ثلاثة اقواس ويقول أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – كنا اذا ذكرنا يوم احد ذكرنا أبا طلحة ذلك اليوم كله كان لابي طلحة فنعم حامل القران وسؤل عن يده وكانت مشلولة قال حميت بها رسول الله وقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : (( من اراد ان ينظر الى رجل من اهل الجنة يمشي على الارض فلينظر إلى أبي طلحة فقد وجبت له الجنة )) وقاتل سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – بين يدي رسول الله وكان من الرماة المشهورين ويقول لقد رأيت رسول الله يناولني النبل ويقول : ارمِ فداك أبي وأمي – ارمِ فداك أبي وأمي – يقول سعد فكنت أرمي اللهم سهمك فارمِ به عدوك وكان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول : (( اللهم استجب لسعد – اللهم سدد رميته وأجب دعوته )) حتى اذا فرغت كنانتي نشر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كنانته بين يدي ويقول ارمِ فداك أبي وأمي .

يقول الامام علي – كرم الله وجهه – : يقول ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول لاحد ارمِ فداك أبي وأمي الا لسعد بن أبي وقاص .

يقول سعد بن ابي وقاص – رضي الله عنه – : (( انقطع في يدي قوسي فكنت اسحبه لكنه لايصل ، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وسحبه حتى وصل الى منتهاه ولفه ثلاث لفات فكنت اضحك ورسول الله يبتسم فقال : أ تعجب يا سعد قلت بل انت رسول الله – بل الاعجب من ذلك عندما نفدت سهامي الا سهم واحد وكانت به علامة فكنت ارمي به ورسول الله يناولني واذا به سهمي الذي رميته قبل قليل ، فأقول يا رسول الله من رده الينا ؟ فقال : ا تعجب يا سعد ؟ قال : بلى اشهد انك رسول الله . فكان سعد بن ابي وقاص نِعمَ حامل القرآن ، قيل لأحد الصحابة – رضي الله عنه – : (( انا نخشى ان يأتينا الاعداءُ من قبلك فقال بئسَ حامل القرآن ان خلص اليكم الاعداء من قبلي – وهذا صحابي جليل وضعه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في ثغر من الثغور ليحرسهم ومعه عمار بن ياسر – فنام عمار وبقي ذلك الصحابي يحرسهم فقام الليل يصلي ويتغني بالقرآن واذا بأحد الاعداء فضربه بسهم فنزعه وبقي يصلي ثم رماه بسهم اخر فنزعه وبقي يصلي حتى أتم صلاته .

ثم ايقظ عمار وقال له : لقد كنت اقرأ في سورة ووالله لولا اني خشيت ان اضيع ثغراً من الثغور لما تركت السورة حتى لو خرجت روحي – انه حب القرآن – استحوذ على قلوبهم حتى وصل الى شغافها فطربت له النفوس وحنت اليه الافئدة – انه كلام الله وهذه دعوة صادقة مني لابناء هذه الامة ان يعودوا الى القران ان يقرأوا كتاب الله .

وان يعيشوا مع اياته؛ ليفوزوا مثلما فاز الاولون فكافأهم الله – جل وعلا – جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم.


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه