ايات من القرأن الكريم

مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى

الآية رقم 3

من سورة الضحى

25 / 02 / 2016

قراءة القرآن قبل الجمعة وقبل المغرب

السؤال :

كنت أفتح قراءات جميلة للقرآن الكريم كل يوم عصرًا قبل الغروب، وقبل الجمع بنحو ساعة، اعترضني بعضهم على أنه من البدع، فلما اغلقته جاءني كبار السن وجيران المسجد بالمعاتبة وطالبوا بإعادته، ووجدت فتاوى على مواقع الانترنيت تبدع هذا العمل.. فما القول في ذلك؟

الجواب :

نحن المسلمين نعاني في هذا الزمن من سوء فهم الدين دفع إلى الجرأة في الفتوى والتسرع في إصدار الأحكام، وبنا مسيس احتياج إلى تعميق الفهم للدين بكثرة القراءة والمتابعة والتفكر في نصوص الشريعة، وفي الواقع الذي بلغناه لنحقق فهمًا متوازنًا مع النصوص ومتوافقًا مع الواقع.

ومن مظاهر سوء الفهم التي تؤزم المواقف وتسخن الحوارات عدم التحديد الدقيق للمصطلحات الشرعية كمصطلح “بدعة” فبعض الشباب يرى أن كل ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يكن في زمانه بدعة، وهذا ليس بدقيق.

فهذا الفهم سيدخل الكثير من الأعمال التي ظهرت فيما بعد في هذا المفهوم ويوجه سهام الاتهام لقرون الخيرية في الأمة، فجمع القرآن مثلاً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم وما جُمع القرآنُ لأول مرة إلا في زمن أبي بكر رضي الله عنه.

وجمع الحديث لم يقم به الصحابة رضي الله عنهم، بل هناك نهي عن كتابة الحديث وذلك لما كان يخشى من اختلاطه بالقرآن، ولكنه بعد ذلك رُخص فيه، ثم بعد ذلك اتفق العلماء على استحباب كتابة العلم وأن ذلك أمر مطلوب؛ وذلك أن القرآن قد حفظ وميز عن غيره فلا يكون هناك التباس بين القرآن وبين غيره، فاتفق العلماء على استحباب كتابة العلم وعلى الاشتغال بالعلم كتابة وحفظاً، واضطر التابعون رحمهم الله على تأويل النهي بأنه خوف الاختلاط بالقرآن من أجل استباحة جمع الحديث وتدوينه خشية ضياعه.

وبناء المآذن التي تُبلغ نداء الإسلام الخالد لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم، فهناك خلاف في أول من بنى المأذنة في الإسلام؛ فقيل هو زياد بن أبيه في عهد معاوية عام 45هـ وكان عامله على البصرة.

وقيل هو مسلمة بن مخلد والي مصر زمن الأمويين بناها عام 53هـ. وعلى الروايتين الصحابة متوافرون في هذا الزمن وليس من اللائق أن نقول إنهم جهلوا الحكم أو سكتوا عن منكر.  

وتدوين الفقه والتفسير وبقية العلوم التي شيدت حضارتنا لم يفعله الصحابة رضي الله عنهم ولا التابعون، وأول مدونة فقهية وصلتنا “موطأ مالك“، فهل يعد ذلك بدعة؟

والتحديد الشرعي المنضبط الدقيق لمفهوم البدعة أنها كل ما ليس له أصل شرعي تستند إليه، فاستنباط الأحكام الشرعية يستند إلى أصول سماها العلماء مصادر التشريع كنصوص الكتاب والسنة التي حوت آيات الأحكام وأحاديثها، وإجماع مجتهدي الأمة في عصر من العصور بعده صلى الله عليه وسلم، ثم هناك القياس على هذه النصوص وعلى الإجماعات، والاستحسان الذي يراعي الحكمة الخفية المعارضة للعلة الظاهرة لتحقيق مصالح الشريعة، والمصلحة المرسلة التي لم يرد عندنا ما يدل على إلغائها أو اعتمادها، وبقية مصادر التشريع الاخرى, فكل هذه الأصول إذا استطاع الفقيه من خلال النظر فيها أن يستنبط حكمًا شرعيًا في مسألة ما؛ لا يمكن أن نحكم على هذا أنه بدعة لأن له أصل في التشريع.

وبعد هذا نقول: نقل ابن رجب عن مَالِك (لَمْ تَكُنِ الْقِرَاءَةُ فِي الْمَسْجِدِ مَنْ أَمْرِ النَّاسِ الْقَدِيمِ، وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ) جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط 2/ 302 والصحابة رضي الله عنهم في زمن الحجاج موجودون، ومعهم التابعون ولم ينكر عليه أحدٌ منهم هذا الصنيع مما يعني أنهم لا يرون عدم مشروعيتِه أو بدعيتَه.

وَاسْتَدَلَّ الْأَكْثَرُونَ من العلماء عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاجْتِمَاعِ لِمُدَارَسَةِ الْقُرْآنَ فِي الْجُمْلَةِ في المسجد بأحاديث كثيرة فِي هذا الْمَعْنَى، فقَدْ أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ جَزَاءَ الَّذِينَ يَجْلِسُونَ فِي بَيْتِ اللَّهِ يَتَدَارَسُونَ كِتَابَ اللَّهِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ:

أَحَدُهَا: تَنْزِلُ السَّكِينَةُ عَلَيْهِمْ.

الثَّانِي: تغِشْاهم الرَّحْمَةِ.

الثَّالِثُ: تَحُفُّهمْ الْمَلَائِكَةَ بِأَجْنِحَتِهِا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا.

الرَّابِعُ: يَذْكُرُهُمْ اللَّه فِيمَنْ عِنْدَهُ، كما ورد عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ) رواه البخاري ومسلم

فهَذِهِ الْخِصَالُ الْأَرْبَعُ لِكُلِّ مُجْتَمِعِينَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى في بيت من بيوته، ومنها اجتماع الجمعة على القارئ فلا يمكن بعد ذلك الحكم على هذا الاجتماع بالبدعة لأن ذلك يتعارض مع ظواهر النصوص في ذلك.

ومع النصوص الكثيرة في بيان فضل الاجتماع على الذكر والتلاوة والمدارسة في بيوت الله؛ توجد المصلحة في منع الحاضرين للجمعة من اللغط في المسجد أثناء القراءة وتأدبِ الناس في الانصات للقارئ.

وفي إعلان القراءة في المساجد من خلال مكبرات الصوت في أوقات مناسبة لا تزعج الناس كقبيل المغرب؛ الكثير من المنافع كإعطاء هوية للمنطقة التي ترفع فيها هذه القراءة أنها إسلامية سنية، وتذكير الناس بالتهيؤ لصلاة المغرب فضلا عن ترقيق قلوبهم بمواعظ القرآن.

ومع كل هذا لا أقول لك يا شيخي العزيز تخاصمْ مع الشباب المخالفين، بل وسع صدرك لهم وليسعهم حلمك وحافظ على المودة معهم فهذه أيضًا عبادة وقربة لله فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُدْرِكَ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ قَائِمِ اللَّيْلِ وَصَائِمِ النَّهَارِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ

ومن المرادين بالمؤمن هنا الْعَالِمُ الْعَامِلُ، وقد عرف الْحَسَنُ البصري حُسْنُ الْخُلُقِ ببَسْطُ الْوَجْهِ وَبَذْلُ النَّدَى، وَكَفُّ الْأَذَى. وقيل: هُوَ أَنْ لَا يُخَاصِمَ وَلَا يُخَاصَمَ مِنْ شِدَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِاللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ أحدهم: أَدْنَى حُسْنِ الْخُلُقِ الِاحْتِمَالُ وَتَرْكُ الْمُكَافَأَةِ وَالرَّحْمَةُ لِلظَّالِمِ وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُ وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِ، فكن صاحب هذه العبادة وفُز بهذا الفوز.

 

الشيخ الدكتور عبد الستار عبد الجبار

عضو المجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء

للدعوة والإفتاء

عضو المجلس العلمي المركزي


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه