ايات من القرأن الكريم

وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ

الآية رقم 123

من سورة الصافات

18 / 09 / 2014

ما حكم صلاة المرأة في مسجد الحي أو المنطقة؟

السؤال :

السلام عليكم ما حكم صلاة المرأة في مسجد الحي أو المنطقة؟

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته فأقول وبالله التوفيق: لقد حرصت الشريعة الإسلامية على معالجة فتنة الجنس والشهوة وبناء مجتمع العفة والستر، وقد روعيت هذه القضية في تشريعات كثيرة كتهذيب النفس بغض البصر وحفظ الفرج، وكفرض الحجاب وتحريم الخلوة وتحريم إظهار ما سوى الزينة الظاهرة.

وحرص الإسلام على معالجة فتنة الجنس تمثل في محورين:

الأول: يخص غلق باب وقوع الرجل في فتنة المرأة، ولتأمين هذا المحور منع الإسلام خروج المرأة متعطرة متطيبة من بيتها كما في قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (إذا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فلا تَمَسَّ طِيبًا)([1]) ويلحق بالطيب كلُّ ما في معناه كالمبالغة في تحسين الملابس والحلي الذي يَظهر والزينة المثيرة وذات الخلاخل التي يُسمع لها صوت ونحوها مما يَفتتن به الرجال.

وعلى هذا يحمل قول عَائِشَةَ رضي الله عنها (لو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى ما أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كما مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ)([2]) فهي تحذر مما أحدث النساء في ذلك الزمن من مغريات يمكن أن تؤدي إلى الفتنة؛ ولا تمنعهن من الخروج.

وتمَسكَ بعضُهم بقول عائشة رضي الله عنها فمنع النساء مطلقا من الخروج إلى المسجد، وفي هذا التمسك نظر (إذ لا يترتب على ذلك تغير الحكم لأنها علقته على شرط لم يوجد بناء على ظن ظنته)([3]) فهي لم تمنع وظنت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لو رأى لمنع وهو لم ير ولم يمنع.

الثاني: يخص غلق باب وقوع المرأة ضحية فتنة الرجل، لذا حضها على التستر في البيت خوفًا عليها مما يقع لها في الطريق فيؤدي إلى مفسدة، لذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (صَلَاةُ الْمَرْأَةِ في بَيْتِهَا أَفْضَلُ من صَلَاتِهَا في حُجْرَتِهَا وَصَلَاتُهَا في مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ من صَلَاتِهَا في بَيْتِهَا)([4]) فمبنى حال المرأة على الستر، والحجرة وهي ما تكون أبواب البيوت إليها، وهي أدنى حالا من البيت في الستر، وأما البيت فهو حجرة المبيت، والمخدع زاوية المبيت في البيت وهو أستر الأماكن الثلاثة للمرأة، ومراد النص الحرص على الستر والبعد عن خائنات الأعين.

ومثل هذا ما جاء عنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إذ يقول (لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ)([5]) فالأصل عدم المنع، والحض على الصلاة في البيوت لخوف الفتنة منهن أو عليهن.

ومن هذا الباب ما جاء عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا)([6]) حتى لا تقترب من الرجل اقترابًا قد يؤدي فتنة، وصفوف النساء هنا اللواتي يصلين مع الرجال في حرم واحد كما كان عليه حال المسجد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلافة الراشدة، وأما إذا صلَّين بحرم مستقل ليس مع الرجال كما هو حال مساجدنا التي يوجد فيها حرم معزول للنساء؛ فهن كالرجال خير صفوفهن أولها وشرها آخرها([7]).

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الرجال أن لا ينصرفوا بعد انتهاء الصلاة حتى ينصرف النساء لمنع الاختلاط، ويأمر النساء أن لا يرفعن أبصارهن في الركوع والسجود حتى يجلس الرجال لئلا ينكشف عليهن شيء من عورات الرجال.

فإذا أغلقت أبواب الفتنة قدر المستطاع ثم خرجت المرأة إلى المسجد ولم تكن متعطرة ولا متزينة، ولم تخش ممن يتربص بها في الطريق ولا في المسجد، فينبغي أن يسمح لها، بل ينبغي أن تشهد بعض الصلوات فيه، ولاسيما إذا كانت ستحضر جمعة أو تسمع درساً أو موعظة، وإن كانت المرأة تخشى فتنة فصلاتها في بيتها أفضل لها.

وعلى مثل حال الأمن من الفتنة تحمل أحاديث الاستئذان لها بالخروج كما في قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (إذا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلى الْمَسْجِدِ فلا يَمْنَعْهَا)([8]) فالأدب الإسلامي للمرأة أن تستأذن للخروج ولو كان إلى المسجد، ولا ينبغي للولي أن يمنع هذه المرأة المستأذنة.

وعن ابن عُمَرَ قال: قالَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ من الْخُرُوجِ إلى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ( فقال ابن لِعَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ: لَا نَدَعُهُنَّ يَخْرُجْنَ فَيَتَّخِذْنَهُ دَغَلًا. فَزَبَرَهُ ابن عُمَرَ وقال :أَقُولُ قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وَتَقُولُ لَا نَدَعُهُنَّ)([9]) فقول ابن عبد الله (فيتخذنه دَغَلا) أي ذريعة للفساد والخداع (فزبره) أي نهره، وفي رواية فضرب في صدره تعزيرًا له لمخالفته هدي الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

لذا ورد عن أُمِّ عَطِيَّةَ الأنصارية في صلاة العيد (أُمِرْنَا أَنْ نَخْرُجَ فَنُخْرِجَ الْحُيَّضَ وَالْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ… فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ وَيَعْتَزِلْنَ مُصَلَّاهُمْ)([10]) فتعلمُ الدينِ خير وشهود هذه التظاهرة الإيمانية وحشد المسلمين ومناسك العيد والدعاء كل هذا الخير يضيق على خناق الشيطان ويقلل الفتن.

والعواتق: الشابات اللاتي لم يتزوجن بعد. وذوات الخُدُور: جمع خِدْر وهو ستر يكون في ناحية البيت تقعد البكر وراءه.. وتسمية صلاة العيد دعوة وفي رواية دعوة الخير فيه إشارة إلى أهمية تعليم النساء في الجموع الكبيرة.

وفي هذا الزمن حدث حدثان كبيران؛ أحدهما خروج المرأة إلى ميادين الحياة كافة بعد أن كانت في عزلة أو شبهها؛ فخرجت للدراسة وللعمل وللنزهة والتسوق، والآخر دخول الغزو الفكري والثقافي إلى كل معاقلنا بما فيها خدور العواتق وذوات الخدور، فدخل الستلايت والجوال والإنترنت إلى بيوتنا وزواياها، وبقاء المرأة بعيدًا عن الاتصال بالمسجد وأهله سيكلفنا الكثير من الضياع والتفكك الأسري.

ويمزج الكثير من المتدينين في زماننا بين التدين والعادة ويتصورون أنَّ بعض العادات دِين، ومما يؤسف له أشدَّ الأسف أن تسبق العادةُ التدين وتحكم عليه، فيسمح للمرأة أن تخرج للسوق والعمل والنزهة والجامعة ويسمح لها أن تقضي الساعات مع الأفلام والمسلسلات والإنترنت، ولا تحضر المسجد، ولا تشهد جماعة المسلمين وتجمعاتهم ولا دعوة الخير.

المرأة المسلمة وفتاة الإسلام بهما مسيس الحاجة لارتياد المساجد وتلقي الدين النقي في أروقتها، ولا ينبغي أنْ نقول في هذا الزمن: يجوز للمرأة أن ترتاد مسجد الحي لتصلي فيه وتحضر الخطب ودروس العلم ومجالس الوعظ، بل يستحب لها ذلك أشد الاستحباب لتحصينها ولحماية الدين والأجيال التي ستربيهم هذه المرأة.

([1]) رواه مسلم 1/328، حديث رقم 443.

([2]) رواه البخاري 1/296، حديث رقم 831 ومسلم 1/329، حديث رقم445.

([3]) فتح الباري 2/349.

([4]) أخرجه أبو داود 1/156، حديث رقم 570.

([5]) أخرجه أبو داود 1/155، بَاب ما جاء في خُرُوجِ النِّسَاءِ إلى الْمَسْجِدِ، حديث رقم 567.

([6]) رواه مسلم 1/326، 440.

([7]) شرح النووي على صحيح مسلم 4/159.

([8]) رواه البخاري 1/295، حديث رقم 827، ومسلم 1/326، بَاب خُرُوجِ النِّسَاءِ إلى الْمَسَاجِدِ إذا لم يَتَرَتَّبْ عليه فِتْنَةٌ وَأَنَّهَا لَا تَخْرُجْ مُطَيَّبَةً، حديث رقم 442.

([9]) رواه مسلم 1/327، حديث رقم 442.

([10]) رواه البخاري 1/333، بَاب اعْتِزَالِ الْحُيَّضِ الْمُصَلَّى، حديث رقم 938.

د. عبد الستار عبد الجبار

عضو المجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء

للدعوة والإفتاء


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه