ايات من القرأن الكريم

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ

الآية رقم 52

من سورة فصلت

08 / 09 / 2013

يثير بعض الملاحدة شبهات ومنها مسألة وقوع المصائب على الحيونات ؟...

السؤال :

السلام عليكم يثير بعض الملاحدة شبهات ومنها مسألة وقوع المصائب على الحيونات وهي غير مكلفة وعدم تعويضها في الآخرة, ولا يخفى على المسلم بأن الله لا يظلم خلقه شيئاً والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه ومن ذلك عقاب من لم يستحق العقاب كتعذيب المطيع لله وإدخاله النار ولا يدخل في ذلك ابتلاء الصالحين في الحياة الدنيا فهذا في الحقيقة هو من إحسان الله لهم باعتبار العاقبة الحسنة من وراء امتحانهم مع ما يدخره الله لهم من الأجور يوم القيامة, وقد قرر أهل العلم في مسألة مشابهة للمسألة المطروحة في هذا الموضوع بأن ما يصيب الأطفال من بلاء وضراء في الدنيا هو من باب امتحان آبائهم ومن باب التفضل على هؤلاء الأطفال في الآخرة بتعويضهم في الآخرة, ولا يخفى أن ما يصيب الحيوانات من مصائب كأمراض وهلاك ونحو ذلك هو من باب امتحان أصحاب هذه البهائم, ولكن يبقى السؤال المُشكل هو ما تأويل وقوع هذه المصائب على هذه البهائم ولاسيما أنها في الآخرة لن تعوض بشيء بل ستكون تراباً ولن تدخل الجنة؟ وسؤال آخر مرتبط بهذا الموضوع وهو ما حقيقة الظلم الذي نفاه الله عن نفسه؟ وما حده؟

الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته بارك الله فيك يا أخ عبد العزيز على اهتماماتك بمثل هذه الموضوعات، وأقول لك:

إن من مسلمات المسلمين الإيمان بالله الذي من صفاته أنهُ حكيمٌ؛ فالحكيم من أسمائه الحسنى التي وردت في مثل قوله {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} الأنعام18 .

والحكيم هو الذي لا يضع الشيء إلا في موضعه، فما يضع من أقدار على البهائم وغيرها لا يتخلف عن صفة الحكمة له، ولكنَّا قد نجهل الحكمة، وقد تغيب عنا، وهذا لا يعني أن تصرفاته عز وجل غير حكيمة سبحانه وتعالى عن العبث {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} أي عابثين، وغياب الحكمة عنا لا يعطينا حق الاعتراض لذا قال {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.

ومن المسلمات مع حكمته الإيمانُ بأنه عدل في صفته وحكمه وأمره، ومن العدل أن لا يعاقِب أحدًا بذنبِ غيره ولا يهضمه ذرةً من حسن أعماله، قال تعالى {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْماً وَلَا هَضْماً} طه112 فلا يخاف الظلم بزيادة سيئاته؛ ولا الهضم بنقص حسناته.

ومعنى العدل أن يتصرف المالك في ملكه بما يشاء، ومعنى الظلم؛ منع غيره من التصرف في حقه؛ والله سبحانه لا يكون ظالما بتصرفه في عباده لأنهم ملكه وإنما يكون ظالما –وحاشاه- إذا منع غيره حقا لذلك الغير عليه، وهذا الذي حرمه الرب على نفسه، بل وأوجب على نفسه خلافه.. وأما إذا منع غيره ما ليس بحق لم يكن ظالما له.

ولم يرد في القرآن الكريم أن الله عاقب البهائم على ظلم الناس؛ بل ورد {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} النحل61 فذكر جل وعلا أنه لو عجل الخلق بالعقوبة لأهلك جميع من في الأرض، ولكنه حليم لا يعجل بالعقوبة لأن العجلة تكون ممن يخاف فوات الفرصة ورب السموات والأرض لا يفوته شيء.

ولو وقع ذلك–وهو لم يقع- فمن باب قطع النعم عنهم ومنها نعمة المطر التي لا تبقي زرعًا فينتج عنه أن لا تبقى على ظهرها دابة.. وقد قرأ ابن مسعود رضي الله عنه هذه الآية فقال (كادَ الْجُعْلُ لَيُعَذَّبُ في جُحْرِهِ بِذُنُوبِ بني آدَمِ) المستدرك على الصحيحين 2/464، حديث رقم 3602 وقال: صحيح الإسناد والمعجم الكبير للطبراني 9/213. أي ليس عقوبة للبهائم بل عقوبة الظالم وهذه من نعم الله على بني الإنسان التي قد يعاقب برفعها إذا ظلم.

وهذا معنى قول أبي هريرة عندما سمع رجلا يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه فقال أبو هريرة (بلى والله حتى الحباري لتموت في وكرها هزلا لظلم الظالم) البيهقي، شعب الإيمان 6/54، حديث رقم 7479 أي بسبب معاقبة الظالم برفع النعمة، وكلمة “هزلاً” تشير إلى أن موت هذه الكائنات ليس عقوبة بل بسبب القحط الذي أصاب أرض الظالمين.

فخلق الدواب والبهائم نعمة فإذا كفر الناس يزيل الله النعم، والدواب أقرب مفهوم للنعم.

ونحن نلاحظ أنَّ بقاء الأشياء بالإنسان كما أن بقاء الإنسان بالأشياء، فالإنسان يعمر الأشياء فتبقى؛ ثم ينتفع بها فيبقى هو.. فإذا كان الهلاك عاماً لم يبقَ مَن يُعمِر؛ فلا تبقى أبنية ولا زروع ولا حيوانات. فذهاب الحيوانات ليس من باب العقوبة لها بل من العدل والحكمة في التدبير.

فالله خلق الإنسان مكلفًا بعبادته {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وخلق لهذا الإنسان المكلف كل المخلوقات الأخرى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} نعمة من الله.. ومن حق المنعم أن يسلب نعمته متى شاء لأي سبب يقدره ولا يكون ذلك ظلماً، وهذا معنى الأثر الإلهي (ابن آدم خلقتك لنفسي وخلقت كل شيء لك فبحقي عليك لا تشتغل بما خلقته لك عمَّا خلقتك له) ابن قيم الجوزية، روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ص304.

وفي أثر آخر (خلقتك لنفسي فلا تلعب وتكفلت لك برزقك فلا تتعب، يا ابن آدم اطلبني تجدني؛ فإنْ وجدتني وجدت كل شيء وإن فتك فاتك كل شيء وأنا خير لك من كل شيء) ابن قيم الجوزية، روضة المحبين، ص304.

 

 

د. عبد الستار عبد الجبار

عضو المجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء

للدعوة والإفتاء


X أرشيف مطبوعات الديوان


مجلة الرسالة الاسلامية



مجلة عيون الديوان



مجلة بنت الاسلام



مجلة الامة الوسط



مجلة والذين معه